يحيى (ع).
الأمر الثاني : ان القرآن الحكيم يضرب لنا أمثلة مثيرة ، تتجسد فيها نوعية خاصة من طبيعة ذلك الموضوع الذي يريد أن يبيّنه.
فاذا أراد أن يضرب مثلا لعلاقة الأب بابنه فانه لا يأتي أب وأي ابن ، أو يضرب لنا من واقعهما مثلا ، كلا .. فذلك لا يثير الإنسان ، بل يبيّن قصّة تاريخية ، ذات نوعية فريدة ويضربها مثلا ، لا لكي تبقي في الذاكرة فقط ، وانما أيضا لأن ذلك المثل يبقى مثالا بارزا كالشمس لا يحتاج الإنسان للبحث عنها ، وفي هذا المورد يذكر لنا القرآن قصة يوسف ووالده يعقوب والده ، وإذا أراد أن يضرب لنا مثلا عن تطلعات الأب تجاه ابنه ، وصفات الابن تجاه هذه التطلعات فانه يضرب مثلا من قصة زكريا مع ابنه يحيى ، وإذا أراد أن يضرب لنا مثلا عن علاقة الأم بابنها فانه لا يبحث عن أيّ أمّ في العالم ، وإنما يضرب المثل من قصة مريم الصدّيقة التي كانت متحررة من الدنيا ، ولكن الله سبحانه لم يشأ لها أن تبقى هكذا متحررة فأراد أن يبتليها بالابن وهذه هي سنة الحياة. لقد شاء أن يقول لها : عليك أن تتحمّلي مسئوليتك كأم ، الى جنب مسئولياتك كمربيّة ، وهادية للناس ، أو متعبّدة وزاهدة في المسجد ، وهكذا بيّن القرآن الحكيم الحالات النفسية ، والحالات المادية الصعبة التي يجب أن تجتازها الأم وتبقى صامدة ، وهل هناك حالة أصعب من فتاة عمرها عشر سنوات ، لم تتزوج ، ولم تر بشرا ، حملت فهجرت بيتها ، وتركت أهلها الى الصحراء ، فجاءها المخاض الى جذع النخلة ، وهي لا تعرف ما ذا تصنع؟!
فلتكن هذه المرأة مثلا لكل النساء لكي لا يتهربن من مسئوليات الأمومة التي هي مسئولية الحياة الطبيعية ، بل ينتظرن العاقبة ، تلك العاقبة التي انتظرتها مريم ورأت كما رأى الناس كيف كانت حسنة وخيرا ورحمة.