الأمر الثالث : الجمع بين رسالية الإنسان وطبيعته ، فلكي تكون رساليا ليس من الضروري أن تترك طبيعتك ، ومسئوليتك الاجتماعية في الحياة ، بل يمكن أن تكون رساليا ، وفي نفس الوقت أبا أو ابنا أو أما ، وتحتفظ بكل المسؤوليات الاجتماعية التي يقوم بها أي فرد عادي.
بيّنات من الآيات :
(وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) :
[١٢] (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)
ولد يحيى وأعطاه الله الرسالة ، وأمره بأن يجعل كل حياته ، وجماع عزمه ، وشدّة بأسه في الالتزام بتبليغ هذه الرسالة ، فقد يأخذ الإنسان شيئا وهو غير مطمئن الى طبيعته أو نتيجته ، بينما يبحث فرد آخر عن نفس الشيء ، ويأخذه بقوة وهو مطمئن به ، مصمّم على الدفاع عنه ، وهكذا أمر الله يحيى بأن يأخذ الرسالة ، ولعلّه لذلك بقي يحيى حصورا فلم يتزوج ، شأنه شأن عيسى (ع) بل أعطى كل حياته للرسالة الالهية ، متحديا الحالة المادية التي طغت على بني إسرائيل ذلك اليوم وانغماسهم في الشهوات العاجلة.
ونتساءل : لما ذا أعطى الله يحيى الحكم صبيا؟ والجواب :
أولا : إكراما لوالده العظيم ولكي يكون آية لبني إسرائيل ، وللناس جميعا ، ولأنه جاء ليصحح مسيرة الأمة بعد انحرافها ، وقد استشهد في سبيل الله ، وكان من الطبيعي أن يكثر الطغاة الدعايات المضلّلة حوله ، فأعطاه الله آية لصدقه.
ثانيا : لأنه منذ نعومة أظافره كان في مستوى تلقّي الوحي ، فقد جاء في حديث مأثور عن أبي الحسن الرضا (ع) :