«ان الصبيان قالوا ليحيي اذهب بنا نلعب ، قال : ما للعب خلقنا ، فأنزل الله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)».
(١) حينما طلب زكريا من الله سبحانه وتعالى أن يرزقه وليا فان أقصى ما كان يأمله هو أن يكون إنسانا رساليا ، ولكن الله تفضل عليه ، وفضله على الآخرين ، فأعطاه ولدا يحمل مسئولية الرسالة ، وجعله إماما للناس ، ولمّا يزل صبيا.
وهكذا فلنعلم بأننا إذا أخلصنا لربنا ، ودعوناه دعاء خفيّا ، متضرعين اليه ، آنئذ لا يستجيب الله لنا دعاءنا فقط بل ويعطينا أكثر مما كنّا نأمل.
(وَكانَ تَقِيًّا) :
[١٣] (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا) هذه هي الصفات النفسية التي كانت عند يحيى :
الصفة الأولى : هي أنه كان يحنّ على الناس ، إننا نجد أن أكثر الناس يعيشون لأنفسهم ، وقليل أولئك الذين يعيشون للناس جميعا ، بعيدين عن السجن المحيط بذواتهم ، وهذه هي الصفة الاجتماعية المثلى التي يجب أن يتحلى بها الابن ، وعلى الوالد أن يربّي ابنه على الروح الجماعية ، فلا يقل له : لا تخرج مع أولاد الجيران لأنهم يضربونك ، أو لا تدعهم يرون هذا المتاع عندك لئلا يطلبونه منك ، فهذا مثل للتربية الخاطئة ، بل على العكس من ذلك إذا أعطيت لابنك درهما قل له : إذا اشتريت شيئا تقاسمه مع زملائك ، فيجب أن تربي ابنك منذ نعومة أظفاره على أن يحن على الناس ، ويرى نفسه مسئولة عن الآخرين.
وينبغي أن يكون هذا الحنان في اطار توحيد الله سبحانه ، فقد يكون للحنان جانب سلبي ، وهو أن يحن الإنسان على الآخرين فيخضع لهم ، ويخرج عن حدود
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٣٢٥.