الله ، وهذا خطأ ، انما يجب عليه أن يحن عليهم ، ويخضع لله ، وهكذا كان يحيى ، ولعل الآية تشير الى ذلك.
الصفة الثانية : التقوى. والأحاديث كثيرة عن تقوى يحيى (ع) وكيف كان يخاف الله ويخشاه ، يقال : بأن زكريا كان يمنع ابنه يحيى من أن يحضر مجالسه لأنه لم يكن يحتمل مواعظ والده ، ولكن يحيى جاء واختبأ تحت المنبر ، فصعد زكريا وأخذ يخوف الناس نار جهنم ، وإذا به يجد يحيى من تحت المنبر باكيا ، ويهيم على وجهه في الصحراء ، فأخذ الناس يبحثون عنه في كل مكان ، فلم يجدوه الّا بعد فترة جالسا على ماء ، يبكى بكاء مرّا ، ويناجي ربه ، ويدعوه أن ينجيه من نار جهنم ، وقد ورد في حديث شريف ، عن أبي بعير قال قلت لأبي عبد الله (ع) عن قوله في كتابه «حَناناً مِنْ لَدُنَّا» قال :
«انه كان يحيى إذ قال في دعائه يا رب يا الله! ناداه الله من السماء لبيك يا يحيى سل حاجتك» (١)
[١٤] الصفة الثالثة :
(وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا)
انه كان يحسن معاملة والديه ، ويعتني بهما. ويبدو ان هذه الصفات الثلاث التي وردت في الآية وهي : الحنان ، والتقوى ، والبرّ ، تنبع جميعا من صفة واحدة وهي : العلاقة الايجابية مع أبيه وأمه ومجتمعة.
ان الولد المشاكس يسمّيه القرآن جبارا ، والجبّار هو الذي يعيش لنفسه فقط ، وحسب أهوائه ، ويتصرف حسب بغضه وحبه ، ويرى نفسه أعلى من الآخرين ، ولكن يحيى لم يكن جبارا ، ولم يكن عصيا ، أي لم يكن يهدف العصيان والتمرد
__________________
(١) المصدر ص ٣٢٦.