ويلاحظ أن موسى (ع) كان صداميا ، فلم يراهن الواقع السلبي الفاسد ، ولا رموزه بل اصطدم معهما بشدة ، كما اصطدم من قبل مع فرعون وسحرته. وهذه كلها شواهد على أن حركات الأنبياء (ع) ، والحركات الرسالية التي تنبع منها وتمثل امتدادا لها حركات صدامية.
بينات من الآيات :
إن من طبيعة البشر هي التمحور حول الأشياء دون القيم ، وإن ارتفاع الإنسان الى مستوى الايمان بالغيب ، وعبادة الله تعالى متجردا عن الأهواء وتحدي المصالح والضغوط المختلفة ، يعتبر قمة الحضارة الانسانية. حيث ينهي الإنسان صراعه الداخلي لمصلحة عقله ، ويتحدى كل الشهوات المحيطة بقلبه ، وكل الضغوطات المحيطة به في مجتمعة ، حتى يخلص عبادته لله سبحانه ، ولا يهبط الى مستوى الشيئيّة في الحياة ، وهذا الأمر يحتاج الى مزيد من التوجيه والتربية ، كما هو بحاجة الى عزيمة شديدة ، وارادة حديدية!
ولو ترك الإنسان وطبعه لهبط الى مستوى عبادة الأصنام ، لأنها تعني الالتفاف حول الأشياء ، والخضوع لسلبيات الحياة وضغوطها ، بينما الايمان بالله يعني الارتفاع عن هذه الضغوط ، والنظر الى الأشياء نظرة متسامية ، باعتبارها ليست سوى مخلوقات يدبرها الله سبحانه.
وهكذا هبط بنو إسرائيل مرة أخرى الى حالتهم البشرية (عبادة الأشياء) حينما تركهم موسى (ع) ولم يصمدوا كثيرا أمام اغراءات العجل. وانما تؤكد آيات القرآن دائما على ربوبية الله وحاكميته لكي يعرج الإنسان الى قمة العبودية له تعالى ، ويقوم بعمل جاد من أجل الوصول الى ذلك المستوى ، والاكتفاء به عن الأشياء حوله.