نستوحي من هذه الآية الكريمة أفكارا عديدة تعالج قضايا هامة ، لا زال بعضها موضع بحث ودراسة عند المفسرين :
١ ـ ان الشيطان يوسوس للإنسان ، فيستثير طبائعه الدفينة ، ويدغدغ تمنياته المكبوتة ، ويحرك تلك الغرائز الخامدة ، وهو يفعل كل ذلك بهدف التشويش على بصره ، والتمويه عليه ، وزرع الشبهات في قلبه ، وإلقاء التبريرات والتسولات في نفسه.
وهكذا لا يكفي الحذر من إغواء الشيطان المباشر ، بل علينا أن نعرف أنه يشوش علينا ، ويشبه الأمور ويخلط الحق بالباطل ، ويمكر ويكيد ، ويغر ويخدع ، إن علينا أن نكون في قمة الحذر ، والا وقعنا في شركه.
٢ ـ وآدم أول من وقع في مصيدة إبليس ، فهو لم يعزم عصيان ربه ، بل أنساه الشيطان أمر الرب ، وخدعه حيث حلف له بالله كذبا أن الله لم ينهه عن تلك الشجرة.
ولم يكن آدم يعلم أن من الممكن أن يحلف أحد بربه كاذبا ، ثم شبه عليه بأن المنهي عنه انما هو شجرة معينة من الحنطة ، وليس كل أشجار الحنطة ، وهنا استفاد إبليس من نقطة ضعيفة عند البشر حيث يتهرب من المسؤولية بأدنى تبرير ، وكانت أداة وسوسته اثارة مشاعر حب الخلود والملك عند البشر ، جاء في حديث شريف عن جميل بن درّاج عن أحد الصادقين عليهما السلام : «سألته : كيف أخذ الله آدم بالنسيان؟ فقال : انه لم ينس ، وكيف ينسى وهو يذكره ويقول له إبليس : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ)» (١).
__________________
(١) المصدر ص ٤٠٢.