يؤكد القرآن الحكيم هذه الفكرة مرة أخرى فيخبرنا : كما إن السماء والأرض خلقتا بحقّ وليس بلعب ، فكذلك المجتمعات ، ولذلك فان السنن الحاكمة فيها هي سنن الحقّ ، وهذه السنن يجب أن تحكم المجتمعات كما تحكم في الأرض والسماوات ولكن بفارق واحد وهو : إنها تحكم في السماوات والأرض بصورة مباشرة وفورية ولكنها تحكم في المجتمعات بصورة غير مباشرة بعد إعطاء الفرصة ، وتقديم الإنذار ، وبعد محاولة هداية وإصلاح ، وهذه نعمة كبيرة من الله ، فلو كان الإنسان يحاسب على كلّ خطأ فورا وبدون إعطاء أيّ فرصة للتوبة ، لتحولت حياته إلى جحيم.
ولكن إعطاء الفرصة شيء ، وتطبيق الحقّ شيء آخر ، فليس معنى إعطاء الفرصة إن الله سبحانه قد نسي الحقّ الذي فطر عليه السماوات والأرض ، وجعله محورا للخليقة جميعا ، بل إن الله لا يزال ينصر الحقّ ، وسوف يطبقه ويدمغ به الباطل.
إنّ أيّ شيء ينحرف عن سنة الحياة ، سرعان ما ينتهي ويتلاشى. إذن يجب علينا أن نتمحور حول الحقّ كما يقرره القرآن الحكيم بأن الحقّ هو عبادة الله وعدم إشراك أحد معه في ألوهيته ، فكما إنّ الملائكة والأرواح والسماوات والأرضين كلّها تعبد الله وتخضع له كذلك الإنسان.
وهناك فكرة أخرى توحي بها هذه الآيات وهي : إن الإيمان الصادق هو الإيمان بأن محور الكون هو الحقّ ، فالكون جدّ لا لعب ولا لهو فيه ، وهذا الإيمان هو ضمان لاثارة إحساس الإنسان بالمسؤولية في حياته الدنيا ، كما إنّ اللهو واللعب هما عدوّا إحساس الإنسان بمسؤوليته.