إنّ إرهاصات غضب الله عليهم كانت قائمة ، ولكنهم تغافلوا عنها ، ولو انهم تحسسوا بها وتابوا الى الله قبل نزول البأس والعذاب لقبلت توبتهم ، مثلما قبلت توبة قوم يونس (ع) ، ولكنهم بقوا على حالتهم حتى أحسوا بأس الله ولمسوه لمسا ، آنئذ قاموا يركضون ، وظنّوا أنّ الهرب ينفعهم.
[١٣] (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ)
إلى أين تركض أيها الظالم؟! لما ذا تخرج من قريتك التي عمرتها والزينة التي جمعتها؟ ارجع وابق هناك حتى نهدم بيتك على رأسك ، وعند ما نفجّر مصنعك نفجّره وأنت فيه ، وعند ما ننسف بيتك ننسفه معك.
ولعلّ الآية تشير الى إنّ الركض لا ينفع ، كما إن كلمة «لعلّكم تسألون» في ذيل الآية ربما توحي بالسؤال الشائع من الأطلال وبقية آثار الشعوب ، وكأنهم بعد الدمار يتحولون الى عبرة للأجيال القادمة حيث يقفون على ديارهم ويسألونهم : أين حضارتكم التي أترفتم فيها ، أين مساكنكم التي اطمأننتم إليها؟! كما جاء في رائعة منسوبة الى الامام عليّ عليه السلام :
ناداهم سائل من بعد دفنهم |
|
أين الأسرة والتيجان والحلل |
أين الوجوه التي كانت منعمة |
|
من دونها تضرب الأستار والكلل |
فأفصح القبر عنهم حين سائلهم |
|
تلك الوجوه عليها الدود ينتقل |
والسؤال هو : من يناديهم بهذا النداء؟ والجواب : إنّه واقع حالهم ـ كما يبدو لي ـ ، وكأن كلّ من اطّلع على وضعهم ناداهم بهذا النداء.
ويظهر أنّ الآية توحي أيضا بفكرة هامة هي :
إنّ أيّ بشر يظلم نفسه أو يظلم الآخرين اغترارا بعامل مادي ، فان العذاب