بداية النهار ، وفرغت من حملها في نهايته ، وبعضهم يقول ساعتين ـ الله أعلم ـ وانما نحن مع هذه الآية التي تصور لنا حالة صعبة كانت تعيشها مريم (ع) بحيث ان المخاض يجبرها على أن تلتجئ الى جذع النخلة ، فحينما جاءها المخاض ، لم تجد دارا أو بيتا تلتجئ اليه ، وانما وجدت شيئا واحدا وهو جذع نخلة.
(قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا)
فتاة عذراء ، تركت الدنيا ولم تر مسئوليات الحياة ، ـ سواء كانت مسئوليات البيت أو مسئوليات المجتمع ـ لأنها كانت متعبدة ، ومتحررة من علاقات الدنيا ، ويأتيها المخاض ، وهذه أول تجربة لها في الحياة ، فلم تعرف كيف تتصرف تجاهها ، كما انها كانت وحيدة في الصحراء ، ولم تجد من يمد لها يد العون! آنئذ شعرت بمشقة بالغة وكرب عظيم فقالت :
(وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا)
والإنسان يريد الحياة وما فيها من علاقات ليشاع له الذكر الطيّب بين الناس ، ولذلك يتحمل الإنسان كل الصعوبات ، فهو يخوض الحرب مثلا ، ويعرض نفسه للموت من أجل أن يقال : ان فلان بطل شجاع ، ولكن مريم تناست حتى هذه الرغبة في ذاتها ، وتمنت لو انها كانت نسيا منسيا.
والنسي المنسي ، هو الذي نسي ونسي أنه قد نسي ، فصار وكأنه لم يكن أبدا ، فقد ينسى الإنسان شيئا ، ولكنه يتذكر أنه قد نسي شيئا ، فيفكر حتى يتذكر ، أما ان تنسى وتنسى انك قد نسيت ، فهذا هو النسي المنسي ، وكأن مريم (عليها السلام) تمنت لو نسيت ولم يبق لها أي أثر يذكر.