كما تحرر من الخضوع لطاغوت المجتمع ، وللسلطة السياسية الفاسدة ، بما تملك هذه السلطة من وسائل البطش والإرهاب ، فكان ذلك الإنسان الذي خلقه الله على الفطرة الإيمانية ، وأصبح عبدا مؤمنا صالحا كما أراده خالقه.
إنّ الإنسان المتحرر عن عبودية الطاغوت ، وعبودية الآباء ، وعبودية الشهوات ، وسائر العبوديات ، يصبح مستقل الشخصية ، لا يخضع إلّا لخالق الكون العزيز الحكيم ، وهكذا بدأ إبراهيم حياته بداية سليمة ، فأعطاه الله سبحانه بدل ذلك المجتمع الفاسد مجتمعا صالحا ، وبدل ذلك الإرهاب والطغيان أمنا وحرية ، وبدل ذلك التاريخ الفاسد جعله منطلقا جديدا لبناء تاريخ صالح.
لقد عوضه الله عن كلّ بلاء صبر عليه بنعمة ، فبتحرره من قيد الطاغوت أعطاه الله سبحانه نعمة القيادة وجعله إماما ، وعند ما تحرر من قيد المجتمع المشرك أعطاه مجموعة من المؤمنين يتبعونه ، وأعطاه الأولاد وجعل ابن خالته لوطا يتبعه ، فأنشأ ذلك المجتمع النظيف. وتحرر من قيد التاريخ المنحرف ، فجعله الله سبحانه وتعالى نقطة البدء لتأريخ جديد مجيد ، وجعل أولاده أئمة للناس ، كما زودهم برسالة متكاملة بإزاء ذلك المنهج الفاسد الذي يتبعه الطاغوت والمجتمع الخاضع له .. برسالة تدعو الى الخير ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وعبادة الله وحده ، دون الخضوع لهذا أو ذاك.
هذا هو بعض ما يمكن أن نستوحيه من هذه الآيات الكريمة.
بينات من الآيات :
[٥٩ ـ ٦٠] (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ* قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ)