مجتمع داود كان ينقسم الى قسمين : مجتمع زارعي ، ومجتمع رعاة ، وكانوا يختلفون ، حيث إنّ الرعاة كانوا يأتون بأغنامهم الى المدينة ويطلقونها فاذا جنّ الليل تهيج الأغنام فتدخل في الحقول المزروعة وتعبث بها ، وكان أصحاب الحقول يطالبون بدفع تعويضات عن خسارتهم.
قال تعالى :
(إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ)
إنّ الغنم ترعى في الليل بشكل غير منتظم ، وهكذا حين دخلت على مزرعة الناس أهلكتها ، فلما جاء المزارعون رأوا أنّه لم يبق من كرومهم شيء ، لا العناقيد ولا الأوراق ، فحكم داود ـ كما جاء في بعض النصوص ـ أن يكون الغنم من نصيب صاحب الحقل ، ولعل حكمة هذا القضاء تكمن في أن على أصحاب الماشية حفظها ليلا بينما على صاحب الزرع حفظها نهارا ، حيث جاء في حديث مأثور عن رسول الإسلام محمد بن عبد الله (ص) : «إنّه قضى بحفظ المواشي على أربابها ليلا ، وقضى بحفظ الحرث على أربابه نهارا» (١)
وحسب ما جاء في الحديث : «كان سليمان جالسا عند والده ، فقام ، وقال : لا يا أبتاه ليس الحكم كما ذكرت ، قال : فما هو الحكم؟ قال : الحكم هو أن نعطي البساتين التي أتلفت بسبب نفش الغنم ، لأصحاب الأغنام ليقوموا بإصلاحها ، ونعطي الأغنام لأصحاب البساتين يستفيدون من لبنها وصوفها ونتاجها حتى تصلح بساتينهم ، ثمّ يرجع كلّ شيء لصاحبه ، فيكون أصحاب الغنم قد دفعوا ثمن إهمالهم وتفريطهم ، ويكون أصحاب البساتين قد عوضوا عن
__________________
(١) مجمع البيان / ج ٧ ـ ص ٥٨.