واستلهام أفكارهم فانه لا يمكنه أن يعرف قيمة التجربة ، وبالتالي لا يمكنه أن يستفيد من هذه الخبرة شيئا كثيرا ، إذ يصبح آلة عمياء لا يستوعب الحقائق التي تجري حوله.
من هنا .. يركز القرآن الحكيم في هذه الآيات على مسألة نقل الأفكار من الجيل السابق الى الجيل اللاحق ويحدد في ذات الوقت طريقة التعامل بين الأجيال.
كثيرا ما يفكر الجيل الناشئ فيجد أن أفكار الأجيال السابقة إنما هي أفكار خاطئة وغير سليمة ، ولذلك يتوجه هذا الجيل نحو التغيير والإصلاح وتطوير الأفكار والأساليب ، فيحدث الصراع بين الأجيال ، كل جيل يوجه الحياة الى طرف معيّن وهذا ليس من مصلحة المجتمع ، فالمجتمع الذي يعيش صراع الأجيال ينهار بسرعة ولا تكتسب الأجيال الناشئة فيه تجارب الأجيال السابقة.
وفي هذه الآية الكريمة نجد القرآن الحكيم يركز على طريقة التعامل بين الأجيال ليقول : حتى لو كان الخلاف حول محور أساسي كعبادة الله فينبغي أن يتم عبر أساليب مرنة ، لذلك نجد إبراهيم يوجه خطابه لأبيه قائلا : «سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي».
ولكن إذا لم تنفع المرونة ينبغي أن يكون الاعتزال ، لأنه هو الحل الأخير ، فحينما وجد إبراهيم إن أباه لم يهتد ، وإن قضية التوحيد لا يمكن أن تخضع لأهواء والده ولضلالات الأجيال السابقة ، فانه قرر أن يثور. ولكن كيف كانت ثورته؟
إنه لم يقتل أباه ، ولم يتمرّد عليه ، وإنما اعتزل ما يعبد بعد أن جادله بالحسنى وأعتقد أن هذين الاسلوبين ، الأسلوب المرن ثم أسلوب الاعتزال هما أمثل طريقة للتعامل بين الأجيال في قضايا الصراع وفي حالات التغيير.