هناك ملاحظة تبدو في هذه الآيات وهي : إن القرآن الحكيم يركز الضوء هنا على مشهد واحد فقط من قصة إبراهيم الخليل (عليه الصلاة والسلام) ، وهو مشهد الحوار مع أبيه ، بينما ترك سائر المشاهد كمشهد صراعه مع النظام القائم ومع المجتمع الجاهلي ، ولعل السبب ان هذه السورة تركز على موضوع علاقة الإنسان بأسرته ، وعلاقته بالأقربين إليه.
كما إن القرآن الحكيم يبيّن حقيقة أخرى وهي : إن الإنسان الذي يترك أهله ويعتزلهم لوجه الله ، فان الله سبحانه سوف يعوضه بآخرين ، أحسن منهم ، والقرآن الحكيم يؤكد هذه الفكرة في هذا المشهد من حياة إبراهيم الخليل ، حيث يبيّن بأن الله قد عوّضه عن أسرته السابقة بأسرة جديدة ، وجيل جديد ، ووهب له إسماعيل وإسحاق ويعقوب وذريّة طيّبة منهم ، ونجد تكرارا لهذه الفكرة في الدرس القادم.
بيّنات من الآيات :
[٤١] (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا)
كان إبراهيم قدوة وكان صدّيقا ، صدّق بكل ما أنزله الله ، ان بعض الناس يصدّقون ويعملون بما أنزل الله ولكن بشرط أن لا يتعارض ومصالحهم ، أو لا يكون صعبا ، بينما إبراهيم كان صدّيقا آمن بكل ما أنزله الله من هدى وبرامج برغم كل الضغوط والصعوبات ، وكان نبيّا مرسلا من قبل الله.
[٤٢] (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً)
لقد وصل إبراهيم بفطرته وبهدى ربه الى نتيجة وهي : إن عبادة الآلهة الحجرية خطأ لأنها لا تبصر ولا تسمع ولا تستطيع أن تفعل شيئا.