في كثير من الأوقات يصل أبناء البشر الى نقطة محورية فطرية واضحة ولكنهم بعدئذ يتركون الأمر ، ولا يفكرون تفكيرا جدّيا في متابعة ما توصلوا إليه ، بل كل إنسان يعيش في مجتمع فاسد تبرق له بعض الأحيان من هدى ربه بارقة هدى ، لو سار وراءها لاهتدى ، ولذلك نرى إن هؤلاء الذين يعيشون في أقاصي الأرض بعيدين عن هدى الرسالات الإلهية ، تبقى لله عليهم حجة تتمثل في أنهم في بعض لحظات حياتهم يصلون الى بعض النتائج الأولية ، ويجب أن تكون لديهم الشجاعة الكافية للاستمرار في الأخذ بها والبحث عمّا وراءها ، أما إذا كانوا جبناء فلله عليهم حجة ، لما ذا جبنوا ولما ذا لم يهتدوا بنور عقلهم حين أضاء لهم الطريق؟
بعد رحلة قفل أبو ذر الغفاري راجعا الى قبيلته ، واتجه الى صنمها يتبرك به كعادتهم حين يعودون من سفر يبدءون بأصنامهم فبرقت في نفسه بارقة هدى؟! فسأل نفسه : إن الصنم ليس إلا صخرة صمّاء ، فلما ذا أعبد الحجر الأصم؟ وما عساه أن يفعل بي؟ فقرر أن يجربه ، ففكر في خطة بأن يضع أمام الصنم شيئا من الطعام والشراب ، فاذا أكل وشرب فلا بد أنه على حق وهكذا فعل ، فوضع أمامه قدحا من اللبن وجلس عنده ناحية يراقب ، فلم يطعم الصنم شيئا فقال : ربما يخجل مني ، فذهب واختبأ وراء صخرة وأخذ يراقبه ، وبعد فترة إذا بثعلبان يأتيان ويشربان اللبن ، ثم يتبولان على الصنم ويغادران المكان دون أن يمسهما الصنم بأذى فأنشد أبو ذر يقول :
أربّ يبول الثعلبان برأسه |
|
لقد هان من بالت عليه الثعالب |
فترك عبادة الأصنام.
إن مثل هذا المشهد كان يتكرر عند كثيرين في التاريخ الجاهلي ، ولكن لم يكن أحدهم يمتلك شجاعة أبي ذر ، لذلك فأنهم كانوا يسايرون الأوضاع الفاسدة ، ولا يجدون في أنفسهم حرجا من ذلك؟