عرض إبراهيم على أبيه في البداية أن لا يعبد الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ، وهنا يقول له : لا تعبد الشيطان ، فالشيطان هنا هو الذي يتجسد لهم على صورة صنم ، أو على شكل ووساوس نفسية فيزين لهم عبادة غير الله ، وما دام الشيطان عصيا لله ، فهو ـ بطبيعة الحال ـ لا يهدي الى سبيل الرشاد ، بل يقود الناس على ما هو عليه من العصيان.
لما ذا وضع الله كلمة (الرحمن) في مقابل الشيطان ، ولم يضع مثلا «الرب»؟ ربما لكي يوضح حقيقة هامة ، وهي إن الشيطان هو حالة ضد الرحمة ونقيض لها.
وعموما فليس المقصود من عبادتهم الشيطان مجرد عبادة الصنم الذي لا يضر ولا ينفع ، بل المقصود أيضا عبادة الشيطان المتمثل في الطواغيت أو سدنة الأصنام الذين ينتفعون مباشرة من عبادة هؤلاء.
[٤٥] (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا)
إن الإنسان الذي يريد أن يجمع بين الحق والباطل ، بين الهدى والضلال ، بين الخير والشر ، فانه سيجد أن الخير والهدى قد تبخرا ولم يبق معه سوى الشر والضلالة ، إذ لا يمكن أن يجتمع عند الإنسان الخير والشر معا ولا بد أن يذهب أحدهما وإذا تمادى البشر في عبادة الشيطان فان الله يسلب منه ضوء العقل فيصبح وليا للشيطان الى الأبد ، وهذا عذاب عظيم يمس الذين يتبعون الشيطان.
ولعلّ الآية تنفي ـ بصورة إيحائية ـ فكرة ضالة يبثها الشيطان في روع تابعيه خلاصتها : إن الله يبغضه وإنما الشيطان يحميه من غضب الرب .. ويسفه السياق هذا الزعم.
أولا : بأن الله هو الرحمن. ولا يبغض أحدا لذاته بل بسبب فعاله القبيحة.