اما إدريس فان القرآن يذكرنا بصفة من صفاته التي يجب أن تتوفر عند الإنسان وهي كونه صدّيقا. والصدّيق صيغة مبالغة من صفة الصادق وهو الذي يصدق في المواقف الصعبة ، ويكون الصدق صبغة لحياته كلها.
يمكن ملاحظة ان ذكر الأنبياء في عدة آيات يكون مسبوقا بصفات مختلفة ، فترى مثلا (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) ، (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا). مما يوحي إلينا فيما يبدو : ان من أسباب نبوة هؤلاء هي تلك الصفات الفاضلة التي تحلّوا بها.
فمن دواعي نبوة أحدهم رسالته ، فحينما يبدأ شخص بحمل رسالة الله بفطرته ، فان الله يختاره نبيا ، لقد كان إبراهيم منذ طفولته يحاور والده ويتكلم معه حول عبادة الأصنام ، وكثير من الأنبياء كانوا يحملون الرسالة قبل النبوة ، وذلك لان الرسالة موجودة في وجدانهم ، فإذا حملها الإنسان ورأى الله منه الصدق فانه يرزقه النبوّة. وأمّا لما ذا سبقت كلمة (الرسول) كلمة (النبي) في الآية (رسولا نبيا) للاشارة الى ان وسام الرسالة اقدس من وسام النبوة وأعلى درجة.
وبالنسبة لإسماعيل ربما كان صدقه لوعده هو السبب الذي أهّله لحمل الرسالة ، كما أن صفة الصدق هي التي أهّلت إدريس لحمل رسالة الله ، حيث ان الله يختار رسله من الصادقين العاملين ، ولا يختار من لا تتوفر فيهم هذه الصفات فيقول ربنا : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ).
[٥٧] (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا)
إذا أردت العلو ، فكن صدّيقا مثل إدريس ، لان الصادق يحبه الناس ويرفعونه ، فيرتفع بين جماعته الى منزلة عالية.