وذكر مغلطاى : إسلام جماعة من جلة الصحابة رضى الله عنهم. ثم قال : ودخل الناس فى الإسلام أرسالا من الرجال والنساء.
ثم إن الله أمر رسوله بأن يصدع بما جاء به ، وكان ذلك بعد ثلاث سنين من النبوة.
فبينا سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه فى نفر يصلون فى شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون ، فعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم ، فضرب سعد يومئذ بلحى بعير ، فشجه فكان أول دم هريق فى الإسلام.
فلما نادى النبى صلىاللهعليهوسلم قومه بالإسلام لم تبعد منه قومه ولم يردوا عليه حتى ذكر آلهتهم وعابها.
قال العتيقى : وكان ذلك فى سنة أربع ، فلما فعل أجمعوا على صلىاللهعليهوسلم خلافه وعداوته إلا من عصم الله.
وحدب عليه أبو طالب فخف الأمر وتنابذ القوم ، ونادى بعضهم بعضا ، وتآمرت قريش على من أسلم منهم يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم. ومنع الله رسوله بعمه أبى طالب ، وبنى هاشم ، غير أبى لهب وبنى المطلب. فرماه الوليد بن المغيرة : بالسحر ، وتبعه قومه على ذلك. فنزل فيه : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) الآيات [المدثر : ١]. وفى النفر الذين تابعوه على قوله : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) [الحجر : ٩١].
ثم إن قريشا اشتد عليهم الأمر ، فكذبوه وآذوه ، ورموه بالسحر والشعر والكهانة والجنون ، وأغروا به سفهاؤهم ، حتى أخذ رجل منهم يوما بمجمع ردائه فقام أبو بكر دونه ، وهو يبكى ويقول : أتقتلون رجلا أن يقول : ربى الله؟ (١).
ثم أسلم حمزة بن عبد المطلب عمه رضى الله عنه ، وكان أعز فتى فى قريش ، وأشد شكيمة ، فعزّ به رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكف عنه قريش قليلا.
قال العتيقى : وكان إسلامه رضى الله عنه سنة ست ، وسألوه إن كنت تطلب مالا جمعنا لك ما لا تكون به أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد الشرف فينا فنحن نسوّدك علينا ، وإن كنت تريد ملكا ملّكناك علينا ، وإن كان هذا الذى يأتيك رئيا قد غلب عليك بذلنا أموالنا فى طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك.
فقال لهم عليهالسلام : ما بى ما تقولون ، ولكن الله بعثنى رسولا ، وأنزل علىّ كتابه ، وأمرنى أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم ، فإن تقلبوا
__________________
(١) انظر : (تاريخ الخميس ١ / ٢٩ ، إمتاع الأسماع ١ / ٤٣ ، الروض الأنف ١ / ٨٤).