الدين ، وهو يومئذ صاحب إربل ، فأقام قليلا ثم مرض ، وتوفى ثامن عشرى شهر رمضان سنة ست وثمانين وخمسمائة بالناصرة ، وهى قرية بالقرب من عكا ، يقال إن المسيح عليهالسلام ، ولد بها ، على الاختلاف الذى فى ذلك.
فلما توفى ، التمس مظفر الدين من السلطان ، أن ينزل عن حران والرها وشميساط ، ويعوضه إربل ، فأجابه إلى ذلك ، وضم إليه شهرزور ، فتوجه إليها ، ودخل إربل فى ذى الحجة سنة ست وثمانين وخمسمائة ، هذه خلاصة أمره.
وأما سيرته ، فلقد كان له فى فعل الخير غرائب ، لم يسمع أن أحدا فعل فى ذلك ، مثل فعله ، لم يكن فى الدنيا شىء أحب إليه من الصدقة ، كان له كل يوم قناطير مقنطرة من الخبز ، يفرقها على المحاويج فى عدة مواضع من البلد ، يجتمع فى كل يوم خلق كثير ، يفرق عليهم فى أول النهار ، وكان إذا نزل من الركوب ، يكون قد اجتمع خلق كثير عند الدار ، فيدخلهم إليه ، ويدفع لكل واحد كسوة ، على قدر الفصل من الشتاء والصيف ، أو غير ذلك ، ومع الكسوة شىء من الذهب ، من الدينار والاثنين والثلاثة ، وأقل وأكثر ، وكان قد بنى أربع خانقاهات ، للزمنى والعميان ، وملأها من هذين الصنفين ، وقرر لهم ما يحتاجون إليه كل يوم ، وكان يأتيهم بنفسه فى كل عصرية اثنين وخميس ، ويدخل عليهم ، ويدخل إلى كل واحد فى بيته ، ويسأله عن حاله ، ويتفقده بشىء من النفقة ، وينتقل من واحد إلى واحد حتى يدور على الجميع ، وهو يباسطهم ويمزح معهم ، ويجبر قلوبهم ، وبنى دارا للنساء الأرامل ، ودارا للصغار والأيتام ، ودارا للملاقيط ، ورتب فيها جماعة من المراضع ، وكل مولود يلتقط ، يحمل إليهن فيرضعنه ، وأجرى على أهل كل دار ما يحتاجون إليه فى كل يوم ، وكان يدخل أيضا إليهن ويتفقد أحوالهن ، ويعطيهن النفقات ، زيادة على المقرر لهن ، وكان يدخل إلى البيمارستان ، ويقف على مريض مريض ، يسأله عن مبيته وكيفية حاله وما يشتهيه ، وكان له دار مضيف ، يدخل إليها كل قادم إلى البلد ، من فقيه أو فقير أو غيرهما.
وعلى الجملة ، فما كان يمنع منها كل من قصد الدخول إليها ، ولهم الراتب الدّارّ فى الغداء والعشاء ، وإذا عزم الإنسان على السفر ، أعطوه نفقة على ما يليق لمثله ، وبنى مدرسة رتب فيها فقهاء من الفريقين ، من الشافعية والحنفية ، وكان فى كل وقت يأتيها بنفسه ، ويعمل السماط بها ، ويبيت بها ، ويعمل السماع ، وإذا طاب وخلع شيئا من ثيابه ، سير للجماعة بكرة شيئا من الإنعام ، ولم يكن له لذة سوى السماع ، فإنه كان لا يتعاطى المنكر ، ولا يمكّن من إدخاله البلد ، وبنى للصوفية خانقاتين فيهما خلق كثير ، من المقيمين والواردين ، ويجتمع فيهما فى أيام المواسم من الخلق ، ما يعجب الإنسان من