كثرتهم ، ولهما أوقاف كثيرة ، تقوم بجميع ما يحتاج إليه ذلك الخلق ، ولا بد عند سفر كل واحد من نفقة يأخذها ، وكان ينزل بنفسه إليهم ، ويعمل عندهم السماعات فى كثير من الأوقات.
وكان يسيّر فى كل سنة دفعتين ، جماعة من أمنائه إلى بلاد الساحل ، ومعهم جملة مستكثرة من المال ، يفتكّ بها أسرى المسلمين من أيدى الكفار ، فإذا وصلوا إليه ، أعطى كل واحد شيئا ، وإن لم يصلوا ، فالأمناء يعطونهم بوصية منه فى ذلك ، وكان يقيم فى كل سنة سبيلا للحاج ، ويسيّر معه جميع ما تدعو حاجة المسافر إليه فى الطريق ، ويسيّر صحبته أمينا ، صحبته خمسة أو ستة آلاف دينار ، ينفقها بالحرمين على المحاويج وأرباب الرواتب.
وله بمكة حرسها الله تعالى آثار جميلة وبعضها باق إلى الآن. وهو أول من أجرى الماء إلى جبل عرفات ليلة الوقوف ، وغرم عليه جملة كثيرة ، وعمل فى الجبل مصانع للماء ، فإن الحاج كانوا يتضررون من عدم الماء هناك ، وبنى له تربة أيضا هناك.
وذكر شيئا من صفة المولد ، ثم قال : وقد ذكرت فى ترجمة الحافظ أبى الخطاب بن دحية ، وصوله إلى إربل ، وعمله كتاب «التنوير فى مولد السراج المنير» لما رأى اهتمام مظفر الدين به ، وأنه أعطاه ألف دينار ، غير ما غرم عليه مدة إقامته من الإقامات الوافرة ، وكان رحمهالله إذا أكل شيئا من الطعام وغيره واستطاب به ، لا يختص به ، بل إذا كان أكل لقمة طيبة من زبدية ، قال لبعض الجنادرة : احمل هذه إلى الشيخ فلان أو فلانة ، ممن هم عنده مشهورون بالصلاح ، وكذلك يعمل فى سائر المأكول من الفاكهة والحلوى وغير ذلك من المطاعم والمشارب والكسا.
وكان كريم الأخلاق ، كثير التواضع ، حسن العقيدة ، سالم البطانة ، شديد الميل إلى أهل السنة والجماعة ، لا ينفق عنده من أرباب العلوم ، سوى الفقهاء والمحدّثين ، ومن عداهما لا يعطيهم شيئا إلا تكلفا ، وكذلك الشعراء ، لا يقول بهم ، ولا يعطيهم إلا إذا قصدوه ، فما كان يضيع قصدهم ، وكان يميل إلى علم التاريخ ، وعلى خاطره منه شىء يذاكر به.
ولم يزل رحمهالله تعالى مؤيدا فى مواقفه ومصافّاته مع كثرتها ، لم ينقل أنه انكسر فى مصافّ قط ، ولو استقصيت فى تعداد محاسنه ، لطال الشرح فى ذلك ، وفى شهرة معروفة ، غنية عن الإطالة.
ثم قال : وكانت ولادته بقلعة الموصل ، ليلة الثلاثاء سابع عشرى المحرم سنة تسع