لزمه ، فلما نفذ معاوية أوصى مروان بن الحكم بقبض المال منه ، وقال : إن استأجلك فأجله أجلا قصيرا ، فإن وافاك بالمال ، وإلّا فبع ربعه وملكه حتى تستوفي ذلك منه ، وكان الذي بين مروان وكثيّر قبيحا.
فلما نفذ معاوية أرسل مروان إلى كثيّر فأعلمه ما أمر به ، فاستأجله شهرا فقبل ، وقال : في شهر ما كفى.
ورجع كثيّر إلى منزله ، وقد ضاقت به الأرض فدعا ابنه الزبير ، وكان به يكنى وقال : يا بني إنا لسنا نجد لنا خيرا من أمير المؤمنين ، وإن كان قد أمر فينا بما أمر ، فكتب له ووجّهه ، وعظم الحق.
فلما كان في آخر يوم من الأجل ولم يأته عن ابنه خبر فعلم أن مروان سيهجم عليه بما يكره ، أتى سعيد بن العاص فقال له : ما جاء بك؟ قال : الشّرّ ، قال : لا شرّ عليك ، فأخبره بخبره ، فقال له سعيد : إن أحببت أن أتولى المال ودفعه ، واكتتاب البراءة لك بذلك فعلت : وإن شئت حمل إليك. فجزاه خيرا ، وانصرف.
حتى إذا كان ببعض الطريق ذكر قيس بن سعد بن عبادة ، فقال : قيس سيد هذا الحرم من ذي يمن وقد ابتليت بما علم ، فلو أتيته وأسندت (١) أمري إليه لكان لي عون صدق ، فجاء إلى قيس فقال له : ما جاء بك؟ قال : الشر ، قال : لا شر عليك ، فأخبره خبره فقال له قيس أمسيت عن حاجتك ، وهي مصبحتك غدا إلى منزلك ، وإن أحببت ولينا حملها عنك إلى مروان.
فانصرف كثيّر حتى إذا أخذ حلقة باب داره ذكر عبد الله بن جعفر ذي الجناحين فقال : ما فيهم أحد أشد إكراما لي منه ، فإن بلغه ما صنعت وما صنع الرجلان لم استقلها منه أبدا فدخل إليه وهو يتعشى وبين يديه شمعة عظيمة فسمع وطئ كثيّر وكان جسيما فلما دخل عليه قال : يا أبا الزبير ، العشاء ، قال : أصبت منه ما كفى ، قال : ما جاء بك؟ قال : الشّرّ ، قال : لا شر عليك ، فأخبره الخبر فالتفت إلى هانئ وكيله قال : ما عندك قال : مائة ألف ، قال : ما جاء من شيء نصفه إلّا تمّ بإذن الله ، ثم نظر في وجوه جلسائه ومعه رجل من بني الأرقط من ولد علي ، فضحك وقال : هي عندي. قال : من أين لك؟
__________________
(١) بالأصل : وأنشدت ، والمثبت عن المختصر.