أحمد بن عبد العزيز ، نا عمر بن شبّة ، عن المدائني ، عن جويرية بن أسماء ، عن المنهال بن عبد الملك ، وإسحاق بن أيوب كلّهم عن الزبير بن المنذر بن عمر (١) ، ـ قال : وكان كاتبا للوليد بن يزيد ـ قال : أرسل إليّ الوليد صبيحة اليوم الذي أتته فيه الخلافة فأتيته فقال : يا أبا الزبير ما أتت عليّ ليلة أطول من هذه ، عرضت لي أمور حدّثت نفسي فيها بأمور ، وهذا الرجل قد أولع بي ، فاركب بنا نتنفس.
فركب وسرت معه ، فسار ميلين ، ووقف على تل فجعل يشكو هشاما ، إذ نظر إلى رهج (٢) قد أقبل ، قال عمر بن شبة في حديثه وسمع قعقعة البريد ، فتعوذ بالله من شرّ هشام وقال : هذا البريد قد أقبل بموت وحيّ (٣) أو بملك عاجل فقلت : لا يسوؤك الله أيها الأمير ، بل يسرّك ويبقيك.
إذ بدا رجلان على البريد مقبلان أحدهما مولى لأبي سفيان بن حرب ، فلما قربا أتيا الوليد فنزلا يعدوان حتى دنوا فسلّما عليه بالخلافة فوجم ، فجعلا يكرران عليه التسليم بالخلافة ، فقال : ويحكما ما الخبر أمات هشام؟ قالا : نعم ، قال : مرحبا بكما ما معكما ، قالا : كتاب مولاك سالم بن عبد الرحمن. فقرأ الكتاب ، وانصرفنا.
فسأل عن عياض بن مسلم كاتبه الذي كان هشام ضربه وحبسه فقالا (٤) : يا أمير المؤمنين لم يزل محبوسا حتى نزل بهشام أمر الله عزوجل ، فلما صار إلى حال لا ترجى الحياة لمثله معها أرسل عياض إلى الخزّان. احتفظوا بما في أيديكم ، فلا يصلن أحد (٥) إلى شيء. وأفاق هشام إفاقة فطلب شيئا ، فمنعه ، فقال : أرانا كنا خزّانا للوليد. وقضى من ساعته ، فخرج عياض من السجن ساعة قضى هشام فختم الأبواب والخزائن وأمر بهشام فأنزل عن فراشه ، ومنعهم أن يكفنوه من الخزائن ، فكفنه غالب مولى هشام ولم يجدوا قمقما (٦) حتى استعاروه.
وأمر الوليد بأخذ ابني هشام بن إسماعيل ، فأخذا بعد أن عاذ إبراهيم بن هشام بقبر
__________________
(١) في الأغاني : عن أبي الزبير المنذر بن عمرو.
(٢) الرّهج والرّهج : الغبار.
(٣) أي سريع.
(٤) بالأصل : فقال.
(٥) بالأصل : «إذا لشيء» والمثبت عن الأغاني.
(٦) القمقم : الإناء من نحاس يسخن فيه الماء.