أخي أني لكفرت الحسنى ، فو الله ما استعملني أبوك إلّا من حاجة إليّ ، وأما ما ذكرت من الشكر ، فو الله لقد وصلنا أرحامكم ، وقضينا حقوقكم ، وإنكم لفي منازلكم. فقال زيد (١) : أنا ابن الخليفتين ، والله لا تراني بعدها أبدا عائدا إليك ، وإني لأعلم أن هذا لم يكن إلّا عن رأيك. قال : وخرج زيد إلينا وقد تشعّث رأسه وسقطت عمامته ، فدعا بإبل فارتحل فأتاه آذن معاوية ، فقال : إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول عزمت عليك لمّا أتيتني ، فإن أبيت أتيتك ، قال زيد : لو لا العزيمة ما أتيت.
فلما رجع إليه أجلسه على سريره ، وقبّل بين عينيه ، ثم أقبل عليه ، فقال : من نسي بلاء عمر يومئذ فإني والله ما أنساه ، لقد استعملني وأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم متوافرون ، وأنا يومئذ حديث السن ، فأخذت بأدبه واقتديت بهديه ، واتبعت أثره ، وو الله ما قويت على العامة إلّا بمكاني كان منه ، حاجتك يا ابن أخي؟ فو الله ما ترك له حاجة ولا لمن معه إلّا قضاها ، وأمر له بمائة ألف ، وأمر لنا بأربعة آلاف (٢) أربعة آلاف ونحن عشرون رجلا ، فقال : هذه لك عندي في كل عام.
أخبرنا أبو محمد بن طاوس ، أنا عاصم بن الحسن ، أنا أبو عمر بن مهدي ، أنا أبو العباس بن عقدة ، نا أحمد بن يحيى الصوفي ، نا عبد الرحمن بن شريك ، حدثني أبي ، حدثني عروة بن عبد الله بن قشير ، عن أبي جعفر ، قال : قال عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب : عزمت عليك إلّا زوجتني ابنتك ، فزوجه فراح عمر إلى الصفة ، فقال للناس : ألا تهنوني ، قالوا : وما ذاك؟ قال : تزوّجت أم كلثوم : لفاطمة بنت رسول الله لعلي بن أبي طالب ، فهنوه ، ثم قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «كلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة ، إلّا نسبي وسببي» [٤٥٥٥].
قرأت على أبي غالب بن البنا ، عن أبي محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمد بن سعد ، قال (٣) : قال محمد بن عمر وغيره : لما خطب عمر بن الخطاب إلى علي ابنته أم كلثوم ، قال : يا أمير المؤمنين إنها صبية ، فقال : إنك والله ما بك ذلك ، ولكن قد علمت ما بك. فأمر علي بها
__________________
(١) عن هامش الأصل.
(٢) بالأصل : «ألف».
(٣) طبقات ابن سعد ٨ / ٤٦٤.