أحمد بن القاسم بن أحمد ، قالا : نا أبو الفتح نصر بن إبراهيم الزاهد ، أنا أبو الحسن صادق بن خلف بن كفيل الأنصاري ، نا أبو عمر أحمد بن بيهق ، نا أبو الوليد يونس بن عبد الله بن معتب ، نا خلف بن محمد المؤدب ، نا أبو مطر القاضي ، نا أحمد بن محمد بن خزيمة ، نا محمد بن يحيى الأزدي عن أحمد بن حنبل عن يحيى بن إسحاق ، عن يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن رحر ، عن يزيد بن أبي منصور ، قال : دخل يحيى بن زكريا عليهالسلام بيت المقدس فرأى المتعبدين قد لبسوا الشعر وبرانس الصوف ، ونظر إلى مجتهديهم قد خرّقوا التراقي وسلكوا فيها السلاسل وشدوها إلى حنايا بيت المقدس ، فلما نظر إلى ذلك منهم هاله ذلك منهم ، ورجع إلى أبويه ، فمرّ بصبيان يلعبون ، فقالوا : يا يحيى هلمّ فلنلعب ، فقال : إني لم أخلق للّعب ، فأتى أبويه فسألهما أن يدرعاه الشعر ففعلا ، ثم رجع إلى بيت المقدس ، فكان يخدمه نهارا ويسرح فيه ليلا ، حتى أتت عليه خمسة (١) عشر حجة ، فأتاه الخرف فساح ، ولزم أطراف الأرض وغيران الشعاب.
وخرج أبواه في طلبه فوجداه حين نزلا من جبال البثنيّة على بحيرة الأردن ، وأدركاه وقد قعد على شفير البحيرة ونقع قدميه في الماء ، وقد كاد العطش أن يذبحه وهو يقول : وعزتك لا أشرب بارد الشراب حتى أعلم أين مكاني منك ، فسأله أبواه أن يأكل قرصا كان معهما من شعير ، ويشرب من ذلك الماء ، ففعل ، وكفّر عن يمينه ، وردّه أبواه إلى بيت المقدس.
وكان إذا قام في صلاته يبكي حتى حرقت دموعه لحم خديه ، وبدت أضراسه ، فقالت له أمه : يا يحيى لو أذنت لي أن أنحر لك لبدا أواري به أضراسك عن الناظرين ، قال : أنت وذلك ، فعمدت إلى قطعتي لبد فألصقتهما على خدّيه ، فكان إذا بكى استنقعت دموعه في القطعتين ، فتقوم إليه أمه فتعصرهما بيديها (٢) ، فكان إذا نظر إلى دموعه تجري على ذراعي أمه قال : اللهم هذه دموعي ، وهذه أمي ، وأنا عبدك ، وأنت أرحم الراحمين.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا أبو الحسن رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن
__________________
(١) كذا بالأصل والصواب : خمس عشرة حجة.
(٢) بالأصل وم : بيدها ، والصواب عن مختصر ابن منظور ٩ / ٤٩.