والله يا أمير المؤمنين إني لأقول هذا ، وما أبالي كيف كنت من أمركم ، ولبعدي منه أحب إليّ من قربي إليه ، فاعترض عمرو بن العاص لما كان عرض به في صدر كلامه فقال : يا سعيد أتفخر على ابن حرب وأمير المؤمنين وتراشقه الكلام؟ وبهم عزكم في الكفر والاسلام فعد عذيه (١) سعيد وقال : إذا شحم العير نهق ، ما لبني سهم وعبد شمس ولكنك كالذباب على كل شيء تقع ، أنا والله أحب إلى ابن حرب وأعزّ عليه منك ، وإنه لبك لعالم ولقد لبسك وخرجك بيدي.
فقال معاوية : يا أبا عبد الله إن الفراسة في سعيد بادية صدق ، سعيد يميني ومروان شمالي ، فقال عمرو : والله إنّا لنعلم ذلك ، قالا : أجملت (٢)؟ فقال : وأنت يا أبا عبد الله كالكف في الذراع فقال : الآن قالا قبل والله لقد شهدتك وغاب عنك ، ونصرتك وخذلك ، وكان عليك وكنت معك ، حتى إذا دسع الوطاب بزبدته وقدتها إليك مرمومة الخيشوم أقبل سعيد يتشدق ، ويتبالغ علي ثم أقبل عمرو فقال :
أتتك الخلافة في خدرها |
|
هنيئا مريئا تقوا العيونا |
تزف إليك زفاف (٣) العروس |
|
بأهون من طعنك الدار عينا |
فما الأشعري يرث الديار |
|
ولا خامل الذكر في الأشعرينا |
ولكن أتيحت له حية |
|
يظل الشماع لها مستكينا |
فقال : وقلت وكنت امرأ |
|
أجهجه بالخصم حتى يلينا |
فخذها ابن هند على يأسه |
|
فقد دفع الله ما تحذرونا |
وقد دفع الله عن شامكم |
|
عدوا شتيتا وحربا زبونا |
ولم يستعن كأخي إربة |
|
ويسرى اليدين تعين اليمينا |
وأصلح معاوية بينهما ، وأمر لسعيد بجائزة عظيمة.
قال : وحدّثني أبي أبو طالب.
قال : وقال أبو عمرو محمّد بن مروان : كل ما روي أن سعيد بن العاص حضر من حرب معاوية من حارب في أيامه كلها فباطل ، لأن سعيدا لم يقع عينه على معاوية منذ
__________________
(١) كذا رسمها بالأصل. وفي م : بعد عذبه سعيد.
(٢) في الأصل : وإلا أجملت ، والمثبت عن م.
(٣) الأصل : رقاب ، والصواب ما أثبت عن م.