عضب اللسان فصيح المنطق ، ولقد كشفت القناع بها ذميمة يا أمير المؤمنين ، أتهمس بي وتغمز غمزا ، وتبدهني بالجفاء ، ولقد أغراك بي رجال أوغروا صدرك ، وهزّوا حلمك ، والسّيف لا يقطع إن لم يسر (١) وإني لأعلم أن صدرك صفحة ما يطويه لسانك ، فلعمري ما أنا بالمرء المجهول ، ولا النزق العجول ، ولعمري لقد سبرت القرح حتى اندمل ، فأصبت بالرمية غير المعنى ، وأمّا تخلفي عن قتال الجمل فإنك أغريت بها أسدا وتيما فاعتورا الأمر كدلو في زمزم ، فأقسم بالله لو لا أن اخترمهم الأجل ، وعجّل بهم القدر لكنا كقولك بين الشعاب لا نتعارف ، ولطرح بك كمدر الفلفل إن لم تقتل ؛ وأمّا صفّين فإنك شببت الحربة بنفسك ودبرتها بعقلك ، وأحكمتها بفهمك ، فوليت الجزم ، وكفيت الحزم ، وغناك عني باعدني منك ، وخلفني عنك ، ولو دعوت لأجبت ولو انثلمت لرفعت ، وقد تخلفت (٢) لأكون لك مردا ، وعنك مدافعا ، ولقد أقعد قعودي عنك رجالا ذوي عزائم ضربوني مثلا فقالوا : هذا ابن العاص قعد عن ابن صخر فما نحن وعليّ.
قال الحارثي :
فلا تحسبن يوم واقعت إذ بغت |
|
بنو عامر والحرب باد شرارها |
ودافعت عنا فارس العدل مقدما |
|
على الحرب يلقاها وقد شبّ نارها |
جهلت الذي أوليت مما فعلته |
|
ولولاك يوم الغول فقع عارها |
ولكنني أخفيت نفسي لوقعة |
|
فلو كان شيء طار عني غمارها |
فأمّا ما ضربتني له مثلا من قول الفقعسي في سليم بن قحف فما كنت أحسب الدهر أخلدني لمثل هذا القول ، والله لوددت أن الأرض أخذتني ولم أسمعه منك ، ولقد دعوت به فلما أنيسا (٣) ، ولكني كما قال عمرو بن جدي النهشلي :
لعمري لئن شاهدت حربا تغيبت |
|
بنو نهشل عنها لما غاب نصرها |
ولو كنت إذ واقعت ناديت نهشلا |
|
أتتك سراعا تنقل الأرض بدرها |
مصاليت ضرابون للهام قادة |
|
إذا غدت الأيام فالدهر دهرها |
ألا فاسرعوا فادعوا ولا تك ناسيا |
|
بني ضمرة العالي على الناس فخرها |
__________________
(١) كذا بالأصل وم.
(٢) بالأصل : تخلف ، والمثبت عن م.
(٣) كذا رسمها بالأصل وم.