كراهة أن يعدّ ذلك مني خفة لاعتزلت ولحقت بأمير المؤمنين فيقول مروان : أقصر فإنا رأينا منك يوم مات الحسن بن علي أمورا ظننا أن صفوك مع القوم ، قال سعيد : فو الله للقوم أشد لي تهمة ، وأسوأ فيّ رأيا منهم فيك ، فأمّا الذي صنعت من كفي عن حسين بن علي فو الله ما كنت لأعرض دون ذلك بحرف واحد ، وقد كفيت أنت ذلك.
قال محمّد بن عمر : قال عبد الرّحمن بن أبي الزناد ، وقال أبي : فلم يزالا متكاشرين فيما بينهما فيما يعيب أحدهما عن صاحبه ليس بحسن وهما بعد يتلاقيان ويقضي أحدهما الحق لصاحبه إذا لزمه وإذا التقيا سلم أحدهما على صاحبه سلاما لا يعرف أن فيه شيئا ممّا يكره فكان هذا من أمرهما.
قال : وأنا محمّد بن عمر ، حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن صالح بن كيسان قال : كان سعيد بن العاص رجلا حليما وقورا ، ولقد كانت المأمومة (١) التي أصابت رأسه يوم الدار قد كاد أن يخف منها بعض الخفة ، وهو على ذلك من أوقر الرجال وأحلمه. وكان مروان رجلا حديدا ، حديد اللسان ، سريع الجواب ، ذلق اللسان ، كل ما صبر أن يكون في صدره شيء من حبّ أحد أو بغضه إلّا ذكره ، وكان في سعيد خلاف ذلك ، كان من أحبّ صبر عن (٢) ذلك ، ومن أبغض فمثل ذلك ، ويقول : إن الأمور تغيّر والقلوب تغيّر ، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحا اليوم عائبا (٣) غدا (٤).
أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنا محمّد بن هبة الله ، أنا محمّد بن الحسين ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب بن عبيد الله بن معاذ ، نا أبي ، نا ابن عون ، عن عمير بن إسحاق قال : كان مروان بن الحكم أميرا علينا بالمدينة سنة ستين (٥) ، فكان يسب عليا في الجمع كذلك ، ثم عزل فاستعمل علينا سعيد بن العاص ، فكان لا يسبّ عليا (٦).
أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الوحش سبيع بن المسلّم ، عن أبي
__________________
(١) المأمومة : الشجة التي بلغت أم الرأس ، وهي الجلدة التي تجمع أم الدماغ.
(٢) سقطت من الأصل واستدركت عن هامش الأصل وبجانبها كلمة صح.
(٣) بالأصل «غائبا» والمثبت عن م وانظر مختصر ابن منظور ٩ / ٣١٢.
(٤) الخبر ورد مختصرا في سير الأعلام ٣ / ٤٤٧.
(٥) كذا بالأصل وم : «سنة ستين».
(٦) الخبر في سير الأعلام ٣ / ٤٤٧.