المؤمنين عثمان المظلوم رحمهالله ، وكانوا هم الذين فعلوا بعثمان ما فعلوا ، فكتب معاوية إلى مروان يشكر له ما صنع ، واستعمله على المدينة ونزع سعيد بن العاص ، وكتب إلى مروان : إذا جاءك كتابي هذا فلا تدع لسعيد بن العاص قليلا ولا كثيرا إلّا قبضته ، فلما جاء الكتاب إلى مروان بعث به مع ابنه عبد الملك إلى سعيد يخبره بكتاب أمير المؤمنين فلما قرأه سعيد بن العاص صاح بجارية له : هات كتابي أمير المؤمنين فطلعت عليه بكتابين ، فقال لعبد الملك : اقرأهما ، فإذا فيهما : كتاب من معاوية إلى سعيد بن العاص ـ يأمره ـ حين عزل مروان ـ بقبض أموال مروان التي بذي المروة (١) والتي بالسّويداء (٢) والتي بذي خشب (٣) ، ولا يدع له عذقا (٤) واحدا. فقال : أخبر أباك. فجزاه عبد الملك خيرا ، فقال سعيد : والله لو لا أنك جئتني بهذا الكتاب ما ذكرت ما ترى حرفا واحدا ، قال : فجاء عبد الملك بالخبر إلى أبيه فقال : هو كان أوصل لنا منا له.
قال : وأنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبد الرّحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال : حج معاوية بن أبي سفيان سنة خمسين وسعيد بن العاص على المدينة وقد وليها قبل ذلك في آخر سنة تسع وأربعين وهي السنة التي مات فيها الحسن ، فلم يزل معاوية يهم بعزله ، ويكتب إليه مروان يعلمه ما ألقى في شأن حسن بن علي ، وأن سعيد بن العاص قد لابا بني هاشم ومالأهم على أن يدفن الحسن مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر وعمر ، فوعده معاوية أن يعزله عن المدينة ويوليه ، فأقام عليها سعيد ومعاوية يستحي من سرعة عزله إياه ، وسعيد يعلم بكتب مروان إلى معاوية ، فكان سعيد يلقى مروان ممازحا له فيقول : ما جاءك فيما قبلنا بعد شيء؟ فيقول مروان : ولم تقول لي هذا؟ أتظن أني أطلب عملك؟ فلما أكثر مروان من هذا سكت سعيد بن العاص ، واستحيى ، وبلغ مروان أنه كتب إلى سعيد من الشام يعلم بكتبك أمير المؤمنين لمحل سعيد ، وتزعم أن سعيدا في ناحية بني هاشم ، ثم جاءه سعيد بعد العمل وقد حج سعيد سنة ثلاث وخمسين ، ودخل في الرابعة فجاءه ولاية مروان بن الحكم فكان سعيد إذا لقيه بعد يقول له ممازحا له : قد كان وعدك حيث توفي الحسن بن علي أن يوليك ويعزلني ، فأقمت كما ترى سنين ، والله يعلم لو لا
__________________
(١) ذو المروة : قرية بوادي القرى ، وقيل بين خشب ووادي القرى (معجم البلدان).
(٢) السويداء : موضع على ليلتين من المدينة على طريق الشام.
(٣) خشب : واد على مسيرة ليلة من المدينة (معجم البلدان).
(٤) العذق بالفتح : النخلة يحملها.