بذلك إلى يزيد بن أبي سفيان ، فلما أبطأ عليه ذلك ، ومكث أيّاما لا يذكر ذلك له أبو بكر فقال : يا أبا بكر والله لقد بلغني أنك أردت أن تبعثني في هذا الوجه ثم رأيتك قد سكتّ فما أدري ما بدا لك فإن كنت تريد أن تبعث غيري فابعثني معه فما أرضاني بذلك ، وإن كنت لا تريد أن تبعث أحدا فما أرغبني في الجهاد ، ائذن لي رحمك الله حتى ألحق بالمسلمين ، فقد ذكر لي أنه قد جمعت لهم جموع عظيمة ، فقال له أبو بكر : رحمك الله ارحم الراحمين يا سعيد ، فإنك ما عملت من المتواضعين ، المتواصلين ، المخبتين ، المتهجدين بالأسحار ، الذاكرين الله كثيرا. فقال سعيد : يرحمك الله ، نعم الله عليّ أفضل ، له الطول والمنّ ، وأنت ـ ما علمتك يا خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ صدوقا بالحق ، قواما بالقسط ، رحيما بالمؤمنين ، شديدا (١) على الكافرين ، تحكم بالعدل ولا تستأثر بالقسم. فقال له : حسبك يا سعيد اخرج رحمك الله ، فتجهز ، فإني باعث إلى المؤمنين جيشا ممدّا لهم وموردك عليهم ، وأمر بلالا فنادى في الناس : ألا انتدبوا أيها الناس مع سعيد بن عامر إلى القتال ، قال : فانتدب معه جيش من المسلمين في أيام قال : وجاء سعيد بن عامر ومعه راحلته حتى وقف على باب أبي بكر والمسلمين جلوس فقال لهم سعيد : أما إنّ (٢) هذا الوجه وجه رحمة وبركة ، اللهم فإن قضيت لنا ـ يعني البقاء ـ فعلى طاعتك ، وإن قضيت علينا الفرقة فإلى رحمتك ، واستودعكم الله ، واقرأ عليكم السّلام ، ثم ولّى سائرا قال : وأمره أبو بكر أن يسير حتى يلحق بيزيد بن أبي سفيان ، قالوا : فقال أبو بكر : عباد الله ، ادعوا الله أن يصحب صاحبكم وإخوانكم معه ، ويسلمهم ، فارفعوا أيديكم رحمكم الله أجمعين ، فرفع القوم أيديهم ، وهم أكثر من خمسين ، فقال علي : ما رفع عدة من المسلمين أيديهم إلى ربهم يسألونه شيئا إلّا استجاب لهم ، ما لم يكن معصية أو قطيعة رحم.
قال : وأنا إسحاق قال : قال محمّد بن إسحاق : وقال حسين بن ضمرة : قال علي بن أبي طالب : ما رفع أربعون رجلا أيديهم إلى الله يسألونه شيئا إلّا أعطاهم إيّاه. قال : فبلغ ذلك سعيدا بعد ما وقع إلى الشام ولقي العدو ، فقال : رحم الله إخواني ، ليتهم ما لم يكونوا دعوا لي ، قد كنت خرجت ، وإني على الشهادة لحريص ، فما هو إلّا أن
__________________
(١) كذا بالأصل : صدوقا ... قواما ... رحيما ... شديدا منصوبة.
(٢) بالأصل : «أنا أم» والمثبت عن مختصر ابن منظور ٩ / ٣٢٢.