عمر بن الخطاب أمير المؤمنين وأبلغه مني السّلام ، وأخبره بما قد رأيت وعاينت ، وبما قد حدثتنا العيون وبما استقر عندك من كثرة العدو ، والذي رأى المسلمون من الرأي من التنحي ، وكتب معه : بسم الله الرّحمن الرحيم فذكر الكتاب.
قال سفيان بن عوف : فلما أتيت عمر فسلّمت عليه ، قال : أخبرني بخبر الناس ، فأخبرته بصلاحهم ودفع الله عزوجل عنهم ، قال : فأخذ الكتاب فقال لي : ويحك ما فعل المسلمون؟ فقلت : أصلحك الله خرجت من عند هم ليلا بحمص وتركتهم وهم يقولون : نصلّي الصبح ونرتحل إلى دمشق ، وقد أجمع رأيهم على ذلك. قال : فكأنه كرهه ، ورأيت ذلك في وجهه ، فقال لي : وما رجوعهم عن عدوهم وقد أظفر هم الله بهم في غير موطن! وما تركهم أرضا (١) قد حووها (٢) وفتحها الله عليهم فصارت في أيديهم؟ إني لأخاف أن يكونوا قد أساءوا الرأي ، وجاءوا بالعجز ، وجرّوا عليهم العدو. قال : فقلت له : أصلحك الله إنّ الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ، إن صاحب الروم قد جمع لنا جموعا لم يجمعها هو ولا أحد كان قبله لأحد كان قبلنا ، ولقد جاء بعض عيوننا إلى عسكر واحد من عساكرهم ، أمر بالعسكر في أصل الجبل فهبطوا من الثنية نصف النهار إلى عسكرهم فما تكاملوا فيها حتى أمسوا ، ثم تكاملوا حين ذهب أول الليل ، هذا عسكر واحد من عساكرهم فما ظنّك بمن قد بقي؟ فقال عمر : لو لا أني ربما كرهت الشيء من أمرهم يصنعونه فإذا الله يخير لهم في عواقبه لكان هذا رأي أنا له كاره ، أخبرني أجمع رأي جماعتهم على التحول؟ قال : قلت : نعم ، قال : فإن الله إن شاء الله لم يكن يجمع رأيهم إلّا على ما هو خير لهم.
أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا أبو الحسن السيرافي ، أنا أحمد بن إسحاق ، نا أحمد بن عمران ، نا موسى التّستري ، نا خليفة العصفري (٣) قال : وكتب عثمان إلى معاوية أن يغزي بلاد الروم ، فوجّه يزيد بن الحر العبسي ثم عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد على الصّائفتين جميعا ثم عزله وولّى سفيان بن عوف الغامدي ، فكان سفيان يخرج على البر ، ويستخلف على البحر جنادة بن أبي أمية ، فلم يزل كذلك حتى مات
__________________
(١) بالأصل : أيضا ، ولعل الصواب ما أثبتناه عن م.
(٢) بالأصل وم : «حروها» خطأ ولعل الصواب ما ارتأيناه.
(٣) تاريخ خليفة بن خياط ص ١٨٠.