الروم فبينا هو يسير في مركبه إذ لقيه مركبا للمسلمين كان صاحب البحر وجهها من عكا إلى قبرص ليأتياه بالخبر فلما رآهما بقناطر عرف صاحبي المركبين من المسلمين وهما من بعلبك يقال لأحدهما قابوس والآخر سابور فقالا : أين بقناطر فقال : أرسلني أمير المؤمنين إلى الطاغية أعليكما له طاعة؟ قالا له : نعم ، قال : فإنه قد أمرني أن أتوجه بكم معي في أمره وأراهما كتابا كتبه عليه طائع فخرجا من مركبيهما حتى قعدا معه في مركبه وأمر أهل مركبهما بالمضي فمضوا فأوثقهما حتى أتى بهما ملك الروم فقبل منه ملك الروم ، وعفا عنه وصيّر الرجلين عند بطريق من بطارقة الروم حتى جلس ملك الروم يوما ينظر إلى شماس من أهل بعلبك هرب إليهم يلقب بسيفه يعجبه (١) وقد كان قابوس سايفه ببعلبك ، فقال قابوس : إن رأى الملك أن يأذن لي في مسايفته فعل ، فأذن له فلما تقدم إليه قال له قابوس اربط في رأسك يا شماس صوفا من ألوان ففعل ، فجعل قابوس يسايفه يتطاير ألوان الصوف من رأسه والشماس لا يبصر حتى قال : خذها مني وأنا قابوس ، قال الشماس البعلبكي قال : نعم؟ قال : إنما فررت منك بالشام ثم لحقتني هاهنا ، ثم سألهما الملك أن يتنصّرا ويدخلا في دينه ففعلا وبلا (٢) منهما حرصا ووفاء ، فبينما هما على ذلك إذ بلغه خروج سفن العرب إلى جماعة الروم ، فوجّه إليهما بعثا وأمر ملك الروم قابوس وسابور بالمسير مع من وجه وقال لهما : ما رأيكما؟ قالا : نحن أعلم الناس بقتال العرب ، فليوجه الملك معنا أهل الشرف والجلد منهم ، فإن السفلة لا تقاتل حمية ، ولا عن حسب. فوجّه من بطارقته جماعة منهم فيهم بقناطر الرومي الهارب كان منهم ، ثم سارا إليهم فراطن قابوس سابور بالفارسية : أن الفرصة قد أمكنتنا وصارا هما وأشراف من الروم وبقناطر في مركب واحد فلما لقوا المسلمين في البحر وتوسّطا سفنهما كبّرا وشدّا على من معهما منهم واجتمع إليهم المسلمون فأسروهم أسرا ، وفيهم بقناطر فأتي به عبد الملك فأمر بقتله وقطع على فرس بعلبك الخمس سكانا لمدينة أطرابلس ، ففعلوا وسكنوها وإلى غيرها من مدائن الساحل قال : ففتحت أطرابلس يومئذ عنوة فليس لأحد ممن فيهما من الأعاجم فيها حق ولا عهد (٣).
__________________
(١) كذا بالأصل وم.
(٢) كذا رسمها بالأصل وم.
(٣) بعدها كرر الخبر من بدايته : «أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم ... إلى مرج السلسلة ..» وكتبت كلمة مكرر فوق أول كلمة «أخبرنا» فحذفناه.