فلان أنت كبير ، وأنت وحدك ، ولا نأمن أن يصيبك الشيء ، فلسنا أحوج ما كنا إليك ، قال : لا تراجعوني ، لا بد لي من إتيانه ، ولكن استوصوا بهذا الغلام خيرا ، وافعلوا وافعلوا ، قال : قلت : ما أنا بمفارقك ، قال : يا سلمان ، قد رأيت حالي وما كنت عليه ، وليس هذا كذلك ، أنا أمشي أصوم النهار ، وأقوم الليل ، ولا أستطيع أن أحمل معي زادا ولا غيره ، ولا يقدر على هذا. قال : قلت : ما أنا بمفارقك. قال : أنت أعلم ، قال : يا أبا فلان ، إنا نخاف على هذا الغلام. قال : هو أعلم ، قد أعلمته الحال ، وقد رأى ما كان قبل هذا. قلت : لا أفارقك ، قال : فبكوا ودّعوه وقال لهم : اتقوا الله ، وكونوا على ما أوصيتكم به ، فإن أعش فلعلي (١) أرجع إليكم ، وإن أمت فإن الله حي لا يموت. فسلّم عليهم وخرج وخرجت معه ، وقال لي : أحمل معك من هذا الخبز شيئا تأكله فخرج وخرجت معه فمشى واتّبعته ، يذكر الله ولا يلتفت ، ولا يقف على شيء ، حتى إذا أمسى. قال : يا سلمان صلّ أنت ونم وكل واشرب ، ثم قام هو يصلي إلى أن انتهى (٢) إلى بيت المقدس ، وكان لا يرفع طرفه إلى السماء إذا مشى حتى إذا انتهينا إلى بيت المقدس ، وإذ على الباب مقعد. قال : يا عبد الله ، قد ترى حالي فتصدق عليّ بشيء فلم يلتفت إليه ودخل المسجد ، ودخلت معه فجعل يتتبع (٣) أمكنة من المسجد فصلّى فيها ثم قال : يا سلمان إني لم أنم منذ كذا وكذا ، ولم أجد طعم نوم ، فإن أنت جعلت لي أن توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت ، فإني أحب أن أنام في هذا المسجد وإلّا لم أنم. قال : قلت : فإني أفعل ، قال : فانظر إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا فأيقظني إذا غلبتني عيني. فنام فقلت في نفسي : هذا لم ينم منذ كذا وكذا وقد رأيت بعض ذلك ، لأدعنه ينام حتى يشتفي من النوم. وكان فيما يمشي وأنا معه يقبل عليّ فيعظني ويخبرني أن لي ربّا ، وأنّ بين يدي جنة ونارا وحسابا ، ويعلمني ويذكرني نحو ما كان يذكر القوم يوم الأحد ، حتى قال فيما يقول لي : يا سلمان إن الله تعالى سوف يبعث رسولا اسمه أحمد يخرج بتهامة ـ وكان رجلا أعجميا لا يحسن أن يقول تهامة ولا محمّد ـ علامته أنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم ، وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب فأما أنا فإني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه ، فإن أدركته أنت فصدّقه واتّبعه. قلت : وإن أمرني بترك
__________________
(١) بالأصل : فعلى ، والمثبت عن الدلائل.
(٢) الدلائل : انتهينا.
(٣) بالأصل : يبيع ، والمثبت عن الدلائل.