اختلفت إلى شقيق ثلاثين سنة ، فقال لي يوما : أيش تعلمت في ترددك إلينا؟ فقلت له : أربعة أشياء استغنيت بها عن الأشياء كلها ، فقال : ما هي؟ فقلت : رأيت أن رزقي من عند ربي فلم أشتغل إلّا بربّي ، ورأيت أن ربي قد وكّل بي ملكين يكتبان عليّ كلما تكلمت به ، فلم أتكلم إلّا بما يرضي ربّي ولم أتكلم إلّا بحق ، ورأيت أن الخلق ينظرون إلى ظاهري والله ينظر إلى باطني ، فرأيت مراقبته أولى وأوجب ، فسقط عني رؤية الخلق ، ورأيت أن هذه داعي يدعو الخلق إليه ، واستعددت (١) له متى جاءني لا احتاج أن يقبلني ـ يعني ملك الموت ـ فقال له : يا حاتم ما نظرت (٢) سعيك.
أخبرنا أبو القاسم العلوي ، أنا أبو الحسن المقرئ ، أنا أبو محمّد المصري ، ثنا أحمد بن مروان ، أنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، ثنا محمّد بن الحسين ، قال : سئل شقيق البلخي : ما علامة التوبة؟ قال : إدمان البكاء على ما سلف من الذنوب ، والخوف المقلق من الوقوع بها ، وهجران إخوان السوء ، وملازمة أهل الخير (٣).
قال : وثنا ابن أبي الدنيا ، ثنا أحمد بن سعيد قال : قيل لشقيق البلخي : ما علامة العبد المباعد المطرود؟ قال : إذا رأيت العبد قد منع الطاعة واستوحش منها قلبه وحلي له المعصية وخفت عليه ، ورغب في الدنيا ، وزهد في الآخرة ، وأشغله بطنه وفرجه لم يسأل من أين أخذ الدنيا ، فاعلم أنه عبد الله مباعد لم يرضه لخدمته.
أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنبأ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، ثنا عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، ثنا أبو سعيد بن الأعرابي ، ثنا محمّد بن إسماعيل الأصبهاني قال : سمعت أبا تراب يقول : سمعت حاتما يقول : سمعت شقيقا يقول : يا فقير لا تشتغل ولا تتعب في طلب الغنى ، فإنه إذا قسم لك الفقر لا يكون عتبا.
قال : وأنبأ أبو عبد الرّحمن السّلمي ، قال : سمعت سعيد بن أحمد البلخي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت محمّد بن عبيد يقول : سمعت خالي محمّد بن الليث يقول : سمعت حامدا اللفاف يقول : سمعت حاتم (٤) الأصم يقول : سمعت شقيقا يقول : ليس
__________________
(١) بالأصل : واستعدت.
(٢) في المختصر : ما خاب سعيك.
(٣) سير الأعلام ٩ / ٣١٥.
(٤) كذا ، والأظهر : حاتما.