سمعت حاتم (١) الأصم يقول : كنا مع شقيق البلخي ونحن مصافوا الترك في يوم لا أرى فيه إلّا رءوسا تندر (٢) وسيوفا تقطع ، ورماحا تقصر ، فقال لي شقيق ونحن بين الصّفين : كيف ترى نفسك يا حاتم في هذا اليوم ، تراه مثل الليلة التي زفّت إليك امرأتك؟ قلت : لا والله ، قال : لكني أرى نفسي في هذا اليوم مثله في الليلة التي زفّت فيها امرأتي ، قال : ثم نام بين الصّفين ودرقته تحت رأسه حتى سمعت غطيطه.
قال حاتم : ورأيت رجلا من أصحابنا في ذلك اليوم يبكي ، فقلت : ما لك؟ قال : قتل أخي ، قال : قلت : يحبط (٣) أجرك ، صار إلى الله وإلى رضوانه ، قال : فقال لي : اسكت ما أبكى على (٤) ولا على قتله ، ولكني أبكي أسفا أن لا أكون دريت كيف كان صبره وقلبه عند وقوع السّيف به ، قال حاتم : فأخذني في ذلك اليوم تركي ، فأضجعني للذبح ، فلم يكن قلبي به مشغولا ، كان قلبي بالله مشغولا ، أنظر ما ذا يأذن الله فيّ ، فبينا هو يطلب السكين من (٥) خفّه إذ (٦) جاءه بهم فذبحه فألقاه عنّي.
ذكر أبو القاسم بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرّحمن الهروي : أن شقيق بن إبراهيم البلخي قتل في غزوة كولان (٧) سنة أربع وتسعين ومائة.
أنبأنا أبو جعفر أحمد بن محمّد المكّي ، أنبأ الحسين بن يحيى ، أنبأ الحسين بن علي ، أنبأ أبو الحسن بن جهضم ، قال : سمعت أبا الحسن بندار بن الحسين بن المهلب يقول : سمعت محمّد بن عبيد المصري يقول : سمعت عمر بن السري يقول : سمعت أبا سعيد الحرار (٨) يقول : رأيت شقيق البلخي في النوم فقلت له : ما فعل الله بك؟ فقال : غفر لي ، غير أنّا لا نلحقكم ، فقلت : ولم ذاك؟ قال : إنّا توكلنا على الله عزوجل بوجود الكفاية ، وتوكلتم على الله بعدم الكفاية ، قال : فسمعت الصّراخ : صدق ، صدق ، فانتبهت وأنا أسمع الصّراخ.
__________________
(١) كذا.
(٢) مهملة بدون نقط بالأصل والمثبت عن الحلية.
(٣) في الحلية : حظ.
(٤) كذا بياض بالأصل ، وفي الحلية : ما أبكي أسفا عليه ولا على قتله.
(٥) في الحلية : من جفنه.
(٦) بالأصل : إذا.
(٧) كولان : بليدة طيبة في حدود بلاد الترك من ناحية بما وراء النهر (ياقوت).
(٨) كذا ، وفي مختصر ابن منظور ١٠ / ٣٢٥ : «الخراز» وهو أحمد بن عيسى أبو سعيد البغدادي الخراز ترجمته في سير الأعلام ١٣ / ٤١٩.