الجنة ، طولها عشرة أذرع على طول موسى ، ومرّ ولبان ، ثم أنزل عليه بعد : العلاة ، والمطرقة ، والكلبتان (١) ، فنظر آدم حين أهبط على الجبل إلى قضيب من حديد نابت على الجبل فقال : هذا من هذا ، فجعل يكسر أشجارا قد عتقت ويبست بالمطرقة ، ثم أوقد على ذلك الغصن حتى ذاب ، فكان أول شيء ضرب منه مدية ، فكان يعمل بها ، ثم ضرب التنور ، وهو الذي ورثه نوح ، وهو الذي فار بالهند بالعذاب ، فلما حجّ آدم ، وضع الحجر الأسود على أبي قبيس فكان يضيء لأهل مكة في ليالي الظلم ، كما يضيء القمر ، فلما كان قبل الإسلام بأربع سنين وقد كان الحيّض والجنب يصمدون (٢) إليه فيمسحونه ، فاسودّ فأنزلته قريش من أبي قبيس ، وحجّ آدم من الهند إلى مكّة أربعين حجّة على رجليه ، وكان آدم حين أهبط يمسح رأسه السماء ، فمن ثمّ صلع ، وأورث ولده الصّلع ، ونفرت من طوله دوابّ البر ، فصارت وحشا من يومئذ فكان آدم وهو على ذلك الجبل فإنه يسمع صوت الملائكة ، ويجد من ريح الجنة ، فحطّ من طوله ذلك إلى ستين ذراعا ، فكان ذلك طوله حتى مات ، ولم يجمع حسن آدم لأحد من ولده إلّا ليوسف ، وأنشأ آدم يقول : رب كنت جارك في دارك ليس لي رب غيرك ، ولا رقيب دونك ، آكل فيها رغدا ، وأسكن حيث أحببت ، فأهبطتني إلى هذا الجبل المقدّس ، فكنت أسمع أصوات الملائكة ، وأراهم كيف يحفّون بعرشك ، وأجد ريح الجنة وطيبها ، ثم أهبطتني إلى الأرض وحططتني إلى ستين ذراعا ، فقد انقطع عني الصوت والنظر ، وذهب عني ريح الجنة.
فأجابه الله : لمعصيتك يا آدم فعلت ذلك بك ، فلما رأى الله عزوجل عري آدم ، أمره أن يذبح اثنان من الثمانية الأزواج التي أنزل الله عزوجل من الجنة ، فأخذ آدم كبشا فذبحه ، ثم أخذ صوفه فغزلته حواء ونسجه هو وحواء ، فنسج آدم جبة وجعل لحواء درعا وخمارا فلبساه ، وقد كانا اجتمعا بجمع فسميت جمعا وتعارفا بعرفة فسميت عرفة ، وبكيا على ما فاتهما مائتي سنة ، لم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما ، ثم أكلا وشربا وهما يومئذ على نود ـ الجبل الذي أهبط عليه آدم ـ ولم يقرب حواء مائة سنة ، ثم قربها فحملت أول بطن ، فولدت قابيل وأخته لبود توأمته ، ثم حملت فولدت هابيل وأخته إقليما توأمته ، فلما بلغوا أمر الله آدم أن يزوج البطن الأول البطن الثاني ، والبطن الثاني البطن الأول ،
__________________
(١) بالأصل : والكلبتين ، خطأ.
(٢) ابن سعد : «يصعدون» وفي اللسان : صمده وصمد إليه : قصده.