تخالف بين البطنين في النكاح ، وكانت أخت قابيل حسنة ، وأخت هابيل قبيحة ، فقال آدم لحواء الذي أمر به ، فذكرته لابنيها فرضي هابيل ، وسخط قابيل ، وقال : لا والله ما أمر الله بهذا قط ، ولكن هذا عن أمرك يا آدم ، فقال آدم : فقرّبا قربانكما (١) كان أحق بها ، أنزل الله عزوجل نارا من السماء فأكلت قربانه ، فرضيا بذلك ، فغدا هابيل وكان صاحب ماشية ، بخير غداء غنمه وزبد ولبن ، وكان قابيل زراعا فأخذ طنا من شرّ زرعه ، ثم صعدا (٢) الجبل ـ يعني نود ـ وآدم معهما ، فوضعا القربان ودعا آدم ربّه وقال قابيل في نفسه : ما أبالي أيقبل مني أم لا ، لا ينكح هابيل أختي أبدا ، فنزلت النار فأكلت قربان هابيل ، ونخست قربان قابيل لأنه لم يكن زاكي القلب ، فانطلق هابيل ، فأتاه قابيل وهو في غنمه فقال : لأقتلنك ، قال : لم تقتلني؟ قال : لأن الله تقبّل منك ، وردّ علي قرباني ونكحت أختي الحسنة ، ونكحت أختك القبيحة ، وتتحدث الناس بعد اليوم أنك كنت [خيرا](٣) مني فقال له هابيل : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ، فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ ، وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ)(٤).
أمّا قوله : بإثمي ، تقول : تقتلني إذا قتلتني إليّ إثمك الذي كان عليك قبل أن تقتلني ، فقتله فأصبح من النادمين ، فتركه لم يوار جسده ، (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ)(٥) ، فكان قتله عشية ، وغدا إليه غدوة لينظر ما فعل ، فإذا هو بغراب حيّ يبحث على غراب ميت ، فقال : (يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي)(٦) كما يواري هذا سوأة أخيه ، فدعا بالويل ، وأصبح من النادمين ، ثم أخذ قابيل بيد أخته ثم هبط بها من الجبل ـ يعني نود ـ إلى الحضيض ، فقال آدم إلى (٧) قابيل : اذهب فلا تزال مرعوبا أبدا لا تأمن من تراه ، فكان لا يمرّ به أحد من ولده إلّا رماه ، فأقبل ابن لقابيل أعمى ومعه ابن له ، فقال للأعمى (٨) ابنه :
__________________
(١) كذا ، وفي ابن سعد : «فقربا قربانا فأيكما كان أحق بها» وهو أظهر.
(٢) بالأصل : صعد.
(٣) زيادة للإيضاح عن ابن سعد.
(٤) سورة المائدة ، الآيتان : ٢٨ ـ ٢٩.
(٥) سورة المائدة ، الآية : ٣١.
(٦) سورة المائدة ، الآية : ٣١.
(٧) كذا بالأصل : إلى قابيل.
(٨) بالأصل : الأعمى ، والمثبت عن ابن سعد.