قال الخطيب (١) : قال لي أبو يعلى وذكر أبو بكر الخلّال في كتاب أدب القضاء من الجامع. [قال :] أخبرني محمّد بن العباس ، حدّثني محمّد بن علي ، قال : لما صار صالح إلى أصبهان ، وكنت معه أخرجني هو ودخل أصبهان فبدأ بمسجد (٢) الجامع ، فدخله فصلّى ركعتين ، واجتمع الناس والشيوخ ، وجلس وقرئ عهده الذي كتب له الخليفة ، جعل يبكي بكاء شديدا حتى غلبه ، فبكى الشيوخ الذين قربوا معه ، فلما فرغ من قراءة العهد جعل المشايخ يدعون له ويقولون له : ما ببلدنا (٣) أحد إلّا وهو يحب أبا عبد الله ويميل إليك ، فقال لهم : تدرون ما الذي أبكاني؟ ذكرت أبي أن يراني في مثل هذه الحال ، وكان عليه السّواد قال : كان يبعث إلى خلفي إذا جاءه رجل زاهد ورجل متقشف [لأنظر](٤) إليه أن يحب أن أكون مثله أفتراني مثله ، ولكن الله يعلم ما دخلت في هذا الأمر إلّا لدين قد غلبني وكثرة عيال ، أحمد الله ، وكان صالح غير مرة إذا انصرف من مجلس الحكم يترك سواده ويقول : تراني أموت وأنا على هذا.
قال وأنا علي بن أبي علي ، أنشدنا محمّد بن العباس الخزّاز ، أنشدني أبو القاسم التوزي أبي ـ وأنا أسمع ـ للعباس الخياط (٥) في صالح بن أحمد بن حنبل :
جاد بدينارين لي صالح |
|
أصلحه الله وأخزاهما (٦) |
فواحد تحمله ذرة |
|
وبلغت الريح بأدناهما (٧) |
بل لو وزنا لك طلبهما |
|
ثم عهدنا فوزناهما |
لكانا لا كانا ولا أفلحا |
|
عليهما يرجح ظلّاهما |
قال الخطيب : قد اعتد هذا القائل في قوله ، وما ذكر به (٨) صالحا لأنه كان من السماحة على خلاف ما ذكره.
__________________
(١) المصدر نفسه ٩ / ٣١٨.
(٢) بالأصل : «فيه المسجد» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٣) بالأصل : «مليكدنا» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٤) بياض بالأصل ، واللفظة استدركت عن تاريخ بغداد.
(٥) الأصل : «الحافظ» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٦) عن تاريخ بغداد وبالأصل : أخزاكما.
(٧) تاريخ بغداد : ويلعب الريح بأقواهما.
(٨) عن تاريخ بغداد ، وبالأصل : ذكرته.