الحسن بن عبد الجبّار الصّوفي ، نا الهيثم بن خارجة ، نا الهيثم بن عمران العبسي ، قال : سمعت عمرو بن مهاجر يحدّث أبي ، قال :
أتى صالح وغيلان عمر بن عبد العزيز وقد بلغه أنهما يتكلمان في القدر ، فقال لهما : علم الله نافذ في عباده أو منتقض؟ قالا : بل نافذ يا أمير المؤمنين ، قال : فيم عسى أن يكون الكلام إذا كان علم الله نافذا ، قال : فخرجا ، فبلغه بعد أنهما يتكلمان ، فأرسل إليهما ، فقال : ما هذا الكلام الذي تنطقان فيه؟ فقال غيلان : نقول ما قال الله ، قال : ما ذا قال الله؟ قال : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ، إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ ، فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) ، ثم سكت ، فقال له عمر بن عبد العزيز اقرأ ، فقرأ حتى بلغ آخر السّورة (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(١) فقال له عمر بن عبد العزيز : كيف ترى في رحمته يا ابن الأتانة ، تأخذ الفروع وتدع الأصول ، قال : فخرجا ، ثم بلغه أنهما يتكلمان ، فأرسل إليهما حتى اشتكى وهو مغضب شديد الغضب ، فدعا بهما ، وأنا خلفه ، قائم مستقبلهما فقال لهما وهو مغضب : ألم يكن سابق في علم الله حين أمر إبليس بالسجود أنه لا يسجد؟ فأومأت إليهما برأسي أن قولا : نعم ، لما عرفت من شدة غضبه ، فقالا : نعم يا أمير المؤمنين ، قال (٢) : ألم يكن في سابق علم الله حين أمر آدم عليه الصّلاة والسّلام أن لا يأكل من الشجرة أنه سيأكل؟ فأومأت إليهما أن قولا : نعم ، فقالا : نعم ، قال عمرو بن مهاجر : لو لا أني أومأت إليهما أن قولا : نعم لصنع بهما شرا ، فأمر بهما فأخرجا ، وأمر بالكتاب إلى الناس الأجناد بخلافها ، فمات عمر ـ رحمهالله ـ ولم ينفذ الكتاب.
أخبرنا أبو محمّد هبة الله بن أحمد ، قال : نا أبو محمّد (٣) عبد العزيز بن أحمد ، أنبأ أبو محمّد بن أبي نصر ، نا أبو الميمون ، نا أبو زرعة (٤) ، نا أبو مسهر ، عن الوليد بن [أبي](٥) السائب ، عن رجاء بن حيّوية أنه كتب إلى هشام (٦) بن عبد الملك : بلغني يا
__________________
(١) سورة الدهر ، الآيتان : ٣٠ ـ ٣١.
(٢) بالأصل : «فإن لم يكن» ولعل الصواب ما ارتأيناه باعتبار السياق.
(٣) بالأصل : «أبو محمد بن عبد العزيز» خطأ والصواب حذف «بن».
(٤) تاريخ أبي زرعة ١ / ٣٧٠ ـ ٣٧١.
(٥) زيادة عن أبي زرعة.
(٦) عن أبي زرعة وبالأصل : الشام.