العبّاس : يا ابن الخطاب ما حملك على الذي صنعت ، لقد علمت أنه قد كان بيني وبينه لوث (١) ولو لا ذلك ما جاء ، فقال عمر : لو لا أنك عمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم علمت ما أقول لك دونكه ، فجاء به إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأسلم ، فلما ولّى قال : اجعل لي شيئا آتي به قومي ، قال : «يؤمن من دخل دارك» ، وانطلق يسير والناس متفرقون في الأراك والسمر ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الحق صاحبك ، فإني لا آمن أن يكون قد أحس في قلبه قلة القوم إذ رآهم متفرقين في السمر والأراك ، فيرجع إلى قومه فيخبرهم بذلك فيرجع كافرا» ، فانطلق العباس يسير حتى إذا كان حيث ينظر إليه قال : أبا سفيان قف ، إنّ لي إليك حاجة ، قال : فأخبرني بها أقضها لك ، قال : قف ، حتى أنتهي [إليك ، قال :](٢) غدرا يا بني هاشم ، قال : ستعلم في آخر يومك أنّا لسنا نغدر ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الناس فساروا ، وأقبل خالد بن الوليد في كتيبة ، فقال أبو سفيان : ابن أخيك هذا يا عباس؟ قال : لا ، ولكن هذا خالد بن الوليد ، ثم جاءت كتيبة أخرى ، فقال أبو سفيان : ابن أخيك هذا؟ قال : لا ، ولكن فلان ، ثم جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم في جماعة الناس ، فقال أبو سفيان : إنّي لأظن هذا ابن أخيك ، فقال : أجل ، فقال : إني والله لقد علمت ما حملك على الذي صنعت إنما أردت أن تريني هؤلاء ، قال : أجل ، إنّي خشيت أن يكون في نفسك قلّة القوم وهم متفرقون في السمر والأراك ، فترجع إلى قومك فتخبرهم بذلك ، ثم ترجع كافرا ، فقال : أجل ، فو الله لقد كان ذلك في نفسي ، فو الله ما زلت أرى الكتائب والقبائل حتى رأيت أن جبال مكة ستسير معهم ، فبهذا حين أيقنت ، فانطلق حتى انتهى إلى الأبطح ، وعكرمة بن أبي جهل واقف في الناس ، فقال أبا سفيان : ما وراءك؟ فقال : ما لا يدان لك والله به ولا لقومك ، فقال : إني لأظنك قد صبوت ، فقال : قد كان بعض ذلك ، فقال : لعنك الله من رئيس قوم ، فو الله لقد هممت أن أبدأ بك ، فانطلق ، فجاءت العجوز هند كاشفة عن ساقيها ، تقول : أبا سفيان ما وراءك؟ فقال : يا بنت عمّ أثقل الخيل ، فقالت : ثكل قين من وافد قوم قتلت فلانا ، فسمت ابنا لها ، وأكلت لحم معاوية ، ونادى مناديه : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، فدخلوا داره حتى ملؤها عليه ، حتى لابوا (٣) بالحيطان ، وأقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الناس ، وبعث خالد بن الوليد من قبل اليمن ، فالتفوا ، وصرخ صارخ
__________________
(١) اللوث : الشر (اللسان).
(٢) ما بين معكوفتين زيادة عن المختصر ١١ / ٦٠ ومكانها بالأصل : «على».
(٣) كذا ، وفي المختصر : لاذوا.