والله ما بها عنك رغبة ولا تك عنها مقصر ، قال : وتكلمت فزوجني ، ثم انصرفت ، فما وصلت إلى منزلي حتى ندمت (١) فقلت : ما ذا صنعت بنفسي ، فهممت أن أرسل إليها بطلاقها ثم قلت : لا أجمع (٢) حمقتين ولكني أضمها إليّ فإن رأيت ما أحب حمدت الله ، وإن تكن الأخرى طلقتها ، فأرسلت إليها بصداقها وكرامتها ، فلما أهديت إليّ وقام النساء عنها قلت : يا هذه إن من السّنّة إذا أهديت المرأة إلى زوجها أن تصلي ركعتين خلفه ، ويسألا الله البركة ، فقمت أصلي فإذا هي خلفي ، فلما فرغت رجعت إلى مكانها ، ومددت يدي ، فقالت : على رسلك ، فقلت : إحداهن (٣) وربّ الكعبة ، فقالت : الحمد لله ، وصلّى الله على سيدنا محمّد وآله ، أما بعد فإني امرأة غريبة ، ولا والله ما ركبت مركبا هو أصعب عليّ من هذا ، وأنت رجل لا أعرف أخلاقك ، فخبرني بما تحب أنت (٤) وبما تكره أزدجر عنه ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك. قال : فقلت : الحمد لله وصلى الله على محمّد وآله ، أما بعد ، فقد قدمت على أهل دار ، زوجك سيد رحالهم ، وأنت إن شاء الله سيدة نسائهم ، أحب هذا وأكره [كذا](٥) ، قالت : فحدّثني عن أختانك أتحب أن يزوروك (٦)؟ قال : قلت : إني رجل قاض ، وأكره أن يملّوني وأكره أن ينقطعوا عني ، قال : فأقمت معها سنة ، أنا كل يوم أشتد (٧) سرورا مني باليوم الذي مضى ، فرجعت يوما من مجلس القضاء ، فإذا عجوز تأمر وتنهي في منزلي ، فقلت : من هذه يا زينب؟ قالت : هذه ختنتك ، هذه أمي ، قلت : كيف حالك يا هذه؟ قالت : كيف حالك يا أبا أمية ، وكيف رأيت أهلك؟ قال : قلت : كل الخير ، قالت : إن المرأة لا تكون أسوأ خلقا منها في حالتين : إذا ولدت غلاما وإذا حظيت (٨) عند زوجها ، فإن رابك من أهلك ريب فالسّوط ، قلت : أشهد أنها ابنتك قد كفتني الرياضة وأحسنت الأدب ، فكانت تجيئني في كل حول مرة ، فتوصي بهذه الوصية ثم تنصرف ، فأقمت معها عشرين سنة ،
__________________
(١) عن الأغاني والجليس الصالح وبالأصل «قدمت».
(٢) بالأصل : لأجمع ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٣) في الأغاني : إحدى الدواهي.
(٤) كذا رسمها بالأصل ، وفي الجليس الصالح : «بما تحب آته» وفي الأغاني : فآتيه.
(٥) زيادة عن المصدرين السابقين.
(٦) عن المصدرين السابقين ، وبالأصل : يزورك.
(٧) الجليس الصالح : أشد.
(٨) عن المصدرين ، وبالأصل : حطلت.