معمورا مأهولا ، وكانت ديارهم كأنها قطعة من الحجاز القاحلة لا الشام الخصيبة ، وصادف أن قطعت مرتبات عرب بني صخر والخرشان وغيرهم من أهل الوبر ، فقام البدو الذين حرموا رواتبهم وهي أربعة آلاف ليرة في السنة ، وسطوا على بضع محطات السكة الحديدية الحجازية على طول أكثر من مائتي كيلومتر في أرض اللواء ، ونهبوا قطارا بحمولته وقتلوا وجرحوا بعض موظفي الخط ، وقام الكركيون باديهم وحاضرهم وأطالوا يد الاعتداء على التجار والموظفين والحامية فقتلوا منهم نحو ١٥٠ إنسانا ، ولو لم يلجأ أكثرهم إلى قلعة الكرك لهلك في هذه الفتنة بضع مئات وحرقت الأماكن الأميرية كلها ونهبت خزانة الحكومة ودور الموظفين وأحرق قسم منها ، وخرب قسم عظيم من المدينة (٥٤٩ دارا) بإطلاق القلعة المدافع عليها وقطع العصاة الأسلاك البرقية وهاموا على وجوههم في البراري ، وبعد أن جاء المدد للمحصورين في القلعة قبضت الدولة على عشرات من الثائرين عدا من قتلتهم هناك صبرا وحكمت عليهم بأحكام مختلفة وأكثرهم بالقتل. ولم يشترك أهالي معان والطفيلة في هذه الفتنة ، وكانت النية أن يقوموا مع الكركيين في يوم واحد. وجرت وقائع بين عسكر الدولة وعرب المجالي وبني حميدة وابن طريف وكورة وسليط وغورين وكثر ربا وعراق وخنزيرة والمعايطة وعبيد وجلامدة وأغوات بالقرب من قرية كفر ربة استسلم فيها بعضهم ، وبلغ عدد القتلى من الكركيين نحو ألفي نسمة. ولم يحدث بعد هذه الوقعة شيء يذكر في أرض الشام اللهم إلا هياج العربان للغارة والنهب في الشمال والجنوب ، وكانت الدولة تسوق عليهم قوى خفيفة تارة ، وتتركهم وشأنهم تارة أخرى ، خصوصا إذا لم يقع منهم على أهل المدن والقرى اعتداء مباشرة ، ولم يتدخل قناصل بعض الدول لمأرب لهم ، كأن يكون في القتلى بعض النصارى أو أن تقضي السياسة بأن يوجدوا مسألة جديدة تحب دولة ذاك القنصل استثمارها في دار الملك.
ومن الحوادث التي وقعت في سنة ١٣٢٤ (١٩٠٦ م) الخلاف الذي وقع بين الحكومة المصرية والحكومة العثمانية على حدود الشام وعقدت بينهما المعاهدة المعروفة بمعاهدة رفح وتعين الخط الفاصل الإداري بين ولاية الحجاز ومتصرفية