التاثت الأحوال ، وتنكرت الأخلاق ، وبات القول الفصل للرشى والمحاباة والشفاعات ، وغلوا في التجسس والوقيعة ، وكثر الفقر وعم القهر ، وزاد الضغط على الأمة ، ونال الجند حظ وافر من الشقاء ، وغدا المرابطون منهم والغزاة لا يطعمون إلا ما يحفظ عليهم رمقهم فقط ، وكثيرا ما كانوا يهلكون جوعا كما وقع لهم في اليمن مرات ، أو بسوء التدبير كما وقع لكتائب الأرناؤد في دمشق في إحدى الحملات على الدروز ، فهلك مئات منهم لأنهم تركوا في العراء في تشرين الثاني فهلكوا بالزحير ، وقد يخدمون السنين ولا يلبسون ثيابا تقيهم حمارّة الحر وصبارّة القر ، ويطول أمد خدمتهم فيقضون العشر والخمس عشرة سنة لا يسرحون ، خصوصا إذا كانوا في ديار قصية كاليمن والحجاز.
أخذ أحرار الضباط يبثون في الأجناد روح الثورة ، وكانوا مستعدين لقبول ما يلقى عليهم ، فتمرد أولا بعض الجند في آسيا الصغرى ، ثم سرت روح التمرد إلى جند مقدونية. والجنود موقنون أن الدولة لا تهتم بأرواحهم اهتمامها بالبنادق التي يحملونها. واتفق أن ضاقت صدور المسلمين من الأرناؤد في مقدونية من طمع الدول الأوربية فيهم ، وأدركوا أن العثمانية تسلمهم متى عجزت كما فعلت مع غيرهم ، فيقعون في قبضة الحكومات الأجنبية على نحو ما وقع لمسلمي البوسنة والهرسك وبلغاريا ورومانيا واليونان والصرب. فقام الأرناؤد يدا واحدة في مناصرة الجيش المطالب بالدستور ، واتحد الفيلقان الأول والثاني في الروم ايلي ، وتبعهما الفيلق الرابع في كردستان ، وذلك بالاتحاد مع عصابات البلغار. ونادى الضابطان نيازي بك وأنور بك بالدستور ، أو يزحفان على دار الملك ، فلم يسع السلطان إلا أن يعيد العمل بالقانون الأساسي الذي كان أوقفه منذ إحدى وثلاثين سنة ، فصدرت الإرادة بوضعه موضع العمل صبيحة يوم الجمعة ٢٥ جمادى الآخرة سنة ١٣٢٦ ه (١٩٠٨ م) وبوشر بانتخاب النواب وأطلقت حرية الاجتماع وحرية القول وحرية الكتابة والنشر بعد ذاك الضغط المنهك ، وألغيت الجاسوسية التي جعلت وكدها في كشف عورات الناس بما لا يفيد شيئا في حياة الدولة. وأخرج ألوف من الموظفين والخدمة والمغنين والطباخين وغيرهم من المابين أو قصر يلديز حيث كان السلطان أكثر أيام ملكه ، وإليه انتقل الحكم من الباب العالي الذي كان في عهده اسما