في الشام سعيها لذلك في سائر الولايات العربية ، لئلا تتألف منهم أكثرية في المجلس ، إذا انضموا إلى بعض العناصر الأخرى فيصبح الأتراك أقلية ، لأن الاتحاديين لا يريدون إلا دستورا ينتعش به الأتراك ، وينال الخير بالعرض سائر العناصر على صورة لا تضر بكيان الترك ، ويسعون إلى تتريك العناصر لتؤلف جمعية الاتحاد أمة واحدة متجانسة بلغتها إذ لم يمكن تجانسها بدينها ، ويقوم أحرار العثمانيين من الأتراك في القرن العشرين بما عجز عن عمله محمد الفاتح وسليم ياوز من الفاتحين.
وبينا أحرار الأتراك دعاة القومية التركية الشديدة يفكرون في وضع خطط الإصلاح ، ويحيون كل ما هو تركي ، ويحاذرون كل ما هو عربي ، والناس في فرح وجذل لأنهم أخذوا على الأقل يقولون ما يريدون ويستمتعون بحرياتهم ، أعلنت اليونان ضمها لجزيرة كريت كما أعلنت النمسا إلحاق ولايتي البوسنة والهرسك ، ورفض أمير بلغاريا السيادة العثمانية وأعلن استقلاله ، وعاد مجلس النواب إلى عمله (١٣٢٦ ه) ولم يمض إلا أشهر قليلة حتى ندم السلطان عبد الحميد على ما وهب طوعا أو كرها من تنفيس خناق العثمانيين ، وأحب أن يقوم بعمل ارتجاعي يعيد به الناس إلى الضغط والفناء فيه وفي أعوانه ، فيعملوا أحرارا من دون ممانع أو مناقش ، فنهض جماعته من جواسيس وعمال ومن طردوا من الضباط من الجيش لقلة اقتدارهم وغيرهم من العوام الذين تخدعهم ألفاظ الشرع ويتبعون كل ناعق ، وألفوا حزبا باسم الدين سموه «الحزب المحمدي» وأنصار هذا الحزب كثيرون لأنه اسم تحبه أكثرية الأمة ، فدخل الناس فيه أفواجا عن سلامة نية ، حتى قيل إن من وقعوا على محضر الرضى بالدخول في سلكه بلغوا سبعين ألفا في دمشق وحدها ، واختار السلطان لبث دعوته الولايات التي لم تتأثر أعصابها كثيرا بدعوة الأحرار وثورة الجند كالشام مثلا ، وأخذوا يهيجون العامة باسم الدين ويرتبطون بالسلطان بأيدي أناس كان للمال الذي بذله تأثير عظيم في نفوسهم ونفوس الغوغاء.
فعصا السواد الأعظم من جنود الإستانة بما بذله السلطان لهم من الذهب الوهاج ، ولم ير أعوانه الذين هيجوا الأجناد واسطة لإضاعة رويتهم أحسن من إسكارهم ، فأسكروهم ليلة الفتنة ، وفرقوا عليهم الذهب الكثير ليقوموا