فقد أحرقوا أوراقهم ومنهم من استظهر الخطط الحربية المتعلقة بالشام ، فنجا بذلك كل من كان له صلة من الأهلين بقناصل بريطانيا العظمى.
وقد حكم الديوان العرفي في عاليه على ٢١ رجلا بالقتل وهم القافلة الثانية فصلبوا في بيروت ودمشق في يوم واحد (٤ رجب ١٣٣٤) صلب سبعة في دمشق والباقون في بيروت ، وكان فيهم الأبرياء الذين ما أرادوا قط خروج الشام عن حكم الترك ، وصلب بعض وجوه الموارنة ورهبانهم لأنه ثبتت عليهم دعوة فرنسا للاستيلاء على الشام. ولما قبض على الرعيل الأول في السنة الأولى للحرب سألت خلوصي بك والي دمشق ، وكان يفيض معي بمسائل الدولة بحرية تامة ، وكان من الأحرار العقلاء في السلطنة ، وهو أعلم تركي وأعقل عامل رأته الشام في الأربعين السنة الأخيرة قائلا : كنتم أمس في بيروت فماذا رأيتم يا سيدي في قضية أولئك المتهمين وما هو وجه تهمتهم يا ترى؟. فأجابني بما تعريبه بالحرف : «سلسلة من التزويرات والتلفيقات عليهم ، قاتلهم الله وأخزاهم» ، أي قاتل الله المزورين والملفقين ويعني بهم الاتحاديين.
ومن الغريب أنه سيق إلى القتل بعض من كان نالهم العفو يوم أغلقت الحسابات القديمة مع الدولة ، كجماعة الإصلاحيين الذين نالوا بعض المطالب بعد مؤتمرهم في باريز ، فاتهموا بمسائل أخرى ارتكبوها ، وأغرب منه أن يتطوع بعض السوريين بالجاسوسية للترك ويشهدوا على رجالهم في الديوان العرفي بما أوصلهم إلى أعواد الصلب ، وأن يتوسع بعض المصلوبين في شهاداتهم واستنطاقاتهم ويدخلوا في زمرتهم عشرات من الشبان وغيرهم حتى تسقط بزعمهم مكانة تلك القضية فيطوى سجلها بما فيه ، ولكن رجال الديوان العرفي كانوا أعقل من أن تغرهم هذه الظواهر ، واكتفوا بإصدار أحكامهم على من ثبتت إدانتهم بحسب الخطة المرسومة أو اقتضت مصلحة الاتحاديين القضاء عليهم من النبهاء ، وهدد جمال باشا بالقتل أعضاء الديوان فيما قيل إن لم يحكموا على المتهمين السياسيين فوافق بعضهم على القتل اضطرارا لا اختيارا.
وقد ذكر الأمير شكيب أرسلان أن خطأ جمال باشا في رأيه وجنايته الكبرى على العرب والترك في فعله هما من الوجوه الآتية :
أولا ـ إن فريقا آخر من الذين قتلهم أبرياء من خيانة الدولة ولم يكن لهم