مصري ، لتستعين بها على تنظيم شؤونها ، وكان يصرف من هذا المبلغ جزء مهم على بث الدعوة وتنظيم العصابات ، فأخذت بريطانيا تفكر في قطعها ، ولكن الحكومة الوطنية زادت في معدل الجباية والرسوم حتى تسد العجز يوم انقطاع الإعانة الكبرى ، ودخل في السياسة الوطنية شبان متحمسون ، وأكثرهم من غير أبناء هذه المنطقة الشرقية منطقة المدن الأربع ، وأصبحت لهم منزلة عند الأمير يبرمون وينقضون ، فأبعدوا عنه كثيرا من رجال الحل والعقد ، وأصبح الأمير يعمل هو والشبان ، والمستند في ذلك على طائفة من أرباب الفتوة والعوام ، وكثرت الأحزاب السياسية في دمشق حتى زادت على ثمانية ، وكلها بالطبع تريد استقلال الشام ، ومنها ما يدعو إلى استقلال جميع العرب ، وكثرت المنازع واشتد التنازع بين أبناء الوطن ، وكلهم يريد له الخير ولا يهتدي إلى طريق الصواب. لأن عمال بريطانيا وفرنسا أخذوا يعملون في الشام ، وكل منهم يريد الاحتفاظ بحقوق دولته وإثبات الأرجحية لها وتوطيد أقدامها.
وقد تأفف الناس من السياسة التي جرى عليها الأمير فيصل في الاعتماد على الغرباء عن منطقة المدن الأربع ونزع ثقته من الأعيان والمفكرين من دون سبب ، فأخذوا ينصحون له سرا بالعدول عن هذه الخطة ، وأوفد أعيان الدمشقيين ومفكروهم وفدا يبين له ما يجب السير عليه حرصا على المصلحة فلم يلتفت إلى كلامهم. وقال في بعض مجالسه : إن أولئك الغرباء الذين يعتمد عليهم قد خدموه أكثر من الدمشقيين وأن هؤلاء لا مأرب لهم إلا المال. على أن الأيام أثبتت عكس ما قال ولكن السياسة تسود الأبيض وتبيض الأسود.
وكانت المنطقة الساحلية أي التي دعيت باسم المنطقة الغربية ، قد أقامت لها حاكما إفرنسيا على لبنان لأول عقد الهدنة ، وأخذت فرنسا تحتل السواحل وما إليها إلى قلقية ، ولم تمض على ذلك مدة حتى بدأت العصابات التركية تسيء إلى الجيش الفرنسي في قلقية وشمالي الشام فقتل من الفريقين مئات. وكانت فلسطين منذ رحل الترك عنها في قبضة الجيش البريطاني فلما مضت السنة الأولى للهدنة أصبحت بريطانيا تفي للإسرائيليين الصهيونيين بما وعدهم به وزيرها بلفور مدة الحرب ، إذا عاونوا بريطانيا بأموالهم بأن تجعل لهم من فلسطين وطنا قوميا. فجعلت اللغة العبرية لغة رسمية في فلسطين بمثابة العربية والإنكليزية