وهو يخضع لزعيم الفرقة. ولم تكن تكفيهم إدراراتهم التي يتناولونها من مال الخزينة لكثرة أتباعهم ، فيضطرون للعمل يذهبون إليه وهم مسلحون ليسهل عليهم الانضمام إلى فرقتهم متى دعت الحاجة ، ولا شأن للخاملين وأهل الفسق إلا الاجتماع في المقاهي والحانات ، وإطالة أيدي الأذى على الناس يصادرون أموالهم ويفترسون نساءهم وصبيانهم ، وكثيرا ما يقتلون أحد أبناء السبيل لغير سبب كأن يجربوا بنادقهم أو سيوفهم في أول من تقع أعينهم عليه.
تمادى الرعاع في قحتهم وفجورهم إلى الغاية ، لضعف الحكام وقصورهم عن ردع القوي عن الضعيف ، فنشأت فئة من الناس مسلمين ومسيحيين ، اتكلوا في حفظ أنفسهم وأهلهم على أنفسهم وشدة بأسهم في الدفاع. وكان القوم يحترمون هؤلاء الأشداء ويخافونهم ، وكان منهم من عرف بالشهامة والشمم بما يغبطون عليه ويخفف ويلات الشرور اللاحقة بالرعايا من اعتداء الجند أحيانا. وبلغ التعصب الديني أقصى شدته في هذا العصر حتى تجاوزالقوم فيه حد الإفراط ، يحسب المرء كل من لم يتدين بدينه ممن يجوز له قتله أو الاعتداء عليه ، وابتزاز ماله وانتهاك عرضه ، وانتشر هذا الروح حتى عمّ السواد الأعظم من الناس. قال مشاقة بعد إيراد ما لخصناه : وكان فريق من العلماء وأهل التقوى يرون معاملة الذميّ بالحسنى تبعا لقواعد الدين الشريفة ولكنهم لم يوفقوا لردع الرعاع في زمن عمت فيه الفوضى وساد الجهل والهمجية على القوم.
من أجل هذا ساغ لنا أن نستنتج أن الشام كان أهلها وحكومتها بين ظالم ومظلوم ، يشتد الوالي في إعنات الرعية لسلب أموالهم ويرسل إلى العاصمة بالمقرر عليه ، وكثيرا ما يشاكسونه فلا يدفعون المفروض عليهم ، أو ينتقضون عليه بإيعاز بعض أهل النفوذ وقد يكون الحق معه ، والرعايا عرضة لاعتداء الجند وأغواتهم والأعيان وأتباعهم ، تساوى في الظلم المدني والقروي ، وربما كان المدني أكثر تعرضا للمهالك لقربه من هذه العوامل التي أخذت على نفسها تمثيل التخريب في مسارح الجهل على ضروبه وأشكاله. ظلمات بعضها فوق بعض ، وسلاسل مفرغة من المصائب لا يدرى أين طرفاها. وليت