بل فتحت مصر بفضله صدرها لذلك. بيد أن محمد علي لم يقف عند الحد الذي بلغه من الاستئثار بوادي النيل ، وطمح إلى التوسع في الملك ، شأن عظماء الفاتحين الطامعين في بسطة السلطان ، ولكن أي البلاد يفتح؟ هل يتوسع في إفريقية؟ في صحراء ليبيا وصحراء النوبة وهي أصقاع لا توازي العناء. وربما صدمته دول الاستعمار عن التوغل في شمالي إفريقية أو في أواسطها ، أم يقصد الشام وهي مفتاح كل فتح ، وفيها من العمران ما يوازي العناء في استصفائها ، وبينها وبين سكان مصر من وجه الشبه ما لا ينكر محله ، ثم لا يصعب عليه إذا خفقت عليها أعلامه ، أن يتقدم إلى الأمام ، ويملك من أرض العرب والترك ما طاب له، ولا يعلم ما تحدثه الأيام.
بحث محمد علي عن وسيلة لذلك فلم يلبث طالعه السعيد أن خلق له سببا معقولا لفتح الشام ، وذلك أن بعض فلاحي الشرقية بمصر ضاقت نفوسهم من إعنات عماله بالجندية والضرائب ، فهاجروا إلى جهات غزة ملتجئين إلى والي عكا ، وكان عددهم ستة آلاف ، فطلب منه محمد علي إرجاعهم خوفا من كثرة عدد من يتبعهم إلى الشام ، فامتنع الوالي من ذلك بدعوى أن القطرين تابعان لسلطان واحد ، فاستشاط محمد علي غضبا خصوصا وهو الذي استرضى خاطر الدولة على والي عكا وكانت غضبت عليه ، ودفع عنه ستين ألف كيس غرامة اقتضتها منه لترضى عنه ، فاتخذ عزيز مصر من ذلك حجة لفتح الشام فأمر سنة ١٢٤٧ ه بإعداد جيش للسفر إليها عن طريق العريش وطريق البحر في آن واحد ، وذلك لمحاصرة عكا من جهتين ، وعين ولده إبراهيم باشا قائدا عاما للجيوش ، وسليمان بك الفرنساوي قائم مقام له ، وجنّد ستة ألايات من المشاة وأربعة من الفرسان ، ومعهم أربعون مدفعا وكثير من مدافع الحصار الضخمة ، وما يلزم ذلك من الأعتاد والمؤن. فوصل إبراهيم باشا مع الأسطول إلى يافا وفتحت له كما فتحت القدس ونابلس أبوابها ، وكانت عكا أشهر مدن الشام بحصانتها وفيها خمسة آلاف مقاتل ، فدام حصارها سبعة أشهر تحاصرها من البحر بوارج حربية مسلحة بالمدافع الكبيرة ، ومن البر ثلاثون ألف جندي، وبريطانيا العظمى متغاضية عنه طوعا أو كرها ، إذ كان لمحمد علي من فرنسا نصير وظهير ، وليست بريطانيا حرة مطلقة ، في