حوران ، وفيما وجد في البادية حيث ترى فيها الطرق التي اختطها الرومانيون.
قال : «ولم يكد المصريون يطردون من القطر ويتقلص ظلّ سطوتهم ـ وقد كانوا أخضعوا الجميع لحكمهم الشديد ـ حتى عاد القوم إلى نبذ الطاعة وخلفت الرشوة والتبذير في إدارة المالية النزاهة والاقتصاد ومنيت المداخيل بالنقص ، واستأنف عرب البادية غاراتهم على السكان فخلت القرى والمزارع المأهولة جديدا بالتدريج حتى أمكن القول إنه لا يوجد ثم ظل للأمن على الحياة والأملاك وكل شيء يدل على عودة حالة الفوضى إلى هذه الديار التي تركها المصريون».
هذه أجمل صفحة في وصف حكم محمد علي في الشام كتبها إنجليزي. وقال برييه الفرنسي في كتابه الشام على عهد حكومة محمد علي ما تعريبه : «ما من بلدة نالت ما نالته الشام من العمران والمجد في كل مظهر من مظاهر الحياة ، وما من بلد عانى شقاء كشقائها من تقلبات الزمان ، وسقي أديمها بالدماء ، فإن خصبها المدهش وجمال إقليمها وتنوعه ، ومركزها المهم الذي يقرب إليه جميع الأجزاء القديمة التجارية من الأرض ، كان يجعل منها في القديم النقطة المتوسطة للعلوم والتجارة في العالم ، ولكن هذا المركز وهذه المنافع قد نبهت أطماع الفاتحين ، وجلبت غير مرة على الشام ويلات الحروب.
«وكانت الشام على عهد الأتراك العثمانيين مقسمة إلى أربعة إيالات : حلب وطرابلس وعكا ودمشق ، وقبل مجيء إبراهيم باشا إلى الشام كانت حكومة هذا القطر من الممالك العثمانية التي تتعب السلطنة ، ولا يمكن حصر السلطة في يد واحدة ، لأن معنى ذلك تسليم سلطة كبرى لرجل واحد تمكنه من العصيان وكثيرا ما كان السلطان سلطانا بالاسم مع أن الشام كانت مقسمة إلى أربع إيالات كما حدث في زمن عبد الله باشا وغيره ممن شقوا عصا الطاعة وكثيرا ما كان الباشوات يشنقون كما حدث في حلب على جدران قصر الشيخ يابران ولطالما شنقت عليه باشاوات بيد الأهالي كما أحرقوا باشا دمشق.
«وكان الدم يجري لأقل شبهة والعذاب الأليم يحل فيشنق الباشاوات وتستل أرواحهم من أسفلهم ويجعلون العصاة على الحديد ويحزون الرؤوس وبذلك كان يتمكن الباشاوات من توطيد سلطانهم على الرعايا وإلا أصبحوا عرضة للحرق والشنق. قال : ومن المحقق أنه ليس إلا طريقة الإرهاب والقوة التي