ومضوا إلى اللاذقية وهاجموا دار الحكومة وكسروا السجن وأخذوا السجينين ومن معهما من المأمورين ، فصدر الأمر بأن يجهز الجند الذي كان معه مع جميع الأهالي النازلين بين أنطاكية وصافيتا ، فتألف منهم جيش عسكر في القرداحة ، فأرسل النصيرية بعض نسائهم إلى القائد يحملن أعلام الأمان ويطلبن العفو ، وأن يضمن لهن سلامة الأنفس والأموال والعيال ، فأبى إلا إنزال العقوبة بالثائرين ، وكان عددهم نحو ستمائة ، وعدد العسكر النظامي والمقاتلة من الأهلين نحو عشرين ألفا وقيل ثلاثين ألفا ، وكان في قرية المران شيخ من أهل الدين والصلاح يعتمد العاويون عليه وكان يعرف علم الفلك فأخذ الطالع كما جاء في مصدر علوي وقال لهم : إنه لن يفقد منهم إلا رجل يصاب برجله ولا يموت وسألوه عن موعد الهجوم فقال : غدا الظهر فنزلت الطمأنينة على قلوب الثائرين خصوصا وقد وعدهم أنهم لا يصابون بأذى ، ولما حان وقت الظهر تجمهر الثائرون وانقسموا ثلاث فرق وهاجموا العسكر ، ودارت الدائرة على الجيش وقتل القائد وهلك من عسكره على ما قيل نحو ألفي رجل وغنم النصيرية جميع الذخائر ، فأرسلت الحكومة على الثائرين وفدا يدعوهم إلى الطاعة بصورة لطيفة ويضمن لهم سلامتهم فأطاعوا وسلموا الذخائر بأسرها إلى الحكومة.
وفي سنة ١٢٦١ قام الدروز ثانية في لبنان وقتلوا النصارى واستمرت الفتن إلى سنة ١٢٧٧. وفي سنة ١٨٤٥ أرسل والي دمشق إلى دروز حاصبيا يحضهم ، على رواية مشاقة ، على قتل النصارى ويمدهم بالسلاح والذخيرة ، وأوعز إلى دروز حوران أن يقدموا لمساعدتهم ، وسأل مثل ذلك مسلمي البقاع فهرب نصارى حاصبيا قبل الإيقاع بهم. فانقض عليهم الدروز في جهات راشيا وفتكوا بمعظمهم وتشتتوا في تلك الأرجاء ومنهم من سلم فجاء زحلة ، ومنهم من عاد إلى حاصبيا ، ومنهم من قتل ، وعينت الحكومة أحد أمراء الشهابيين حاكما على حاصبيا لكنها لم تسمح له بمعاقبة المعتدين وزعماء هذه الفتنة.
وفي غرة المحرم سنة ١٢٦٧ وقعت فتنة بحلب سرت إلى حي باب النيرب وهي قرلق وبانقوسا فنهبت أحياء النصارى وأحرقت ثلاث كنائس ودام النهب ثلاثة أيام ، ثم قام الأهالي على الوالي وطلبوا منه رفع «الفردة والنظام»