ومال الناس إلى الأمير حيدر للتخلص من الضرائب التي سامهم الأمير بشير دفعها ، وسادت الفتن في اللبنانين الغربي والشرقي ، وهاجم والي دمشق بعلبك للانتقام من الأمير جهجاه لأنه لم يخلد إلى السكينة ، وقتل عشرات من الناس في بعلبك وسغبين وقتل من العسكر أكثر من ذلك.
وهجمت أهالي حلب على بطال آغا نوري ومحمد آغا وعلى عسكره وحصل بينهما مناوشة أدت إلى انهزامه خارج حلب ، وتوجه إلى عينتاب وحاصرها خمسة أشهر إلى أن قتل وحمل رأسه ورأس أربعة وعشرين من العصاة إلى الإستانة. قال جودت : وكان هؤلاء الخونة يتقربون إلى رجال الإستانة بالأمور الدنيئة فينصبونهم حكاما في بعض المقاطعات فيفسدون في الأرض ويتسلطون على عباد الله حتى ترفع الرعية علم العصيان وتقاوم الحكومة ولا تبعة في ذلك إلا على رجال الدولة.
وفي سنة ١٢٠٦ ه (١٧٩١ م) أخرج الجزار الفرنج من بيروت وبنى السور بحجارة أبنية الشهابية التي دكها ودك كنائسهم وجعلها إصطبلات. وفي هذه السنة قتل رجل من أهل بيروت خارج البلد فأغلقوا الأبواب وقبضوا على كل من وجدوه من أهل الجبل وكانوا نحو ستين رجلا فقتلوهم جميعا. وحدثني الثقة من أهل بيروت عن أبيه عن جده أن حكام بيروت المسيحيين اشتدت مظالمهم وعتوهم على المسلمين فكان الأمير يمر في شهر رمضان في المدينة يحملون أمامه الغليون للتدخين فينتصب المسلمون على الأقدام يحيونه فلا يتنازل أن يجيبهم بل يقول الخادم من ورائه : سلّم الأمير. فضاقت الحال بالمسلمين فشكوا أمرهم إلى قائد الأسطول العثماني وكان يأتي كل سنة ليحمل الأموال المقررة فقال لهم : الخطب سهل وهو أن تغلقوا أبواب المدينة متى رأيتمونا أقلعنا بسفننا وتذبحوا النصارى وبذلك ترتاحون منهم ففعل غوغاء المسلمين وقتل بهذا التدبير الجائر كثير من الأبرياء ، وبذلك تبين أن الدولة لم تكن تهتم إلا لجبايتها ، فإذا استوفتها فسواء لديها تقاتل رعاياها أم تصالحوا ، والغالب أنها تحبهم أن يكونوا على خصام أبدا حتى يخلو لها الجو ، وقاعدة «فرق تسد» من أهم قواعد حكمها.
وفي سنة ١٢٠٧ وهب الشهابيون الهرمل للأمير جهجاه الحرفوش فلم