ولو قام كل واحد من الأعيان والمشايخ بواجبه لخفّ الشر كثيرا في دمشق ، وربما امتنع عامة الأشقياء عن أعمالهم على الرغم من تحريض الحكومة لهم سرا أو من إبدائها تساهلا ظنوا معه أنها تدعوهم إلى عمل ما عملوا. فقد ثبت أن والي دمشق قال للأمير عبد القادر الجزائري وهو يستأذنه للمحافظة على النصارى وإطفاء الفتنة : ليس لي من الأمر شيء ، وإذا كنت تستطيع أنت أن تحافظ بجماعتك المغاربة فلك ذلك فأجابه أن السلاح ينقصني ، فأعطاه سلاحا لأربعمائة مقاتل. وفي تحفة الزائر أن الأمير عبد القادر استأذن الوالي يوم فتنة لبنان ودمشق في طلب مشايخ الدروز إلى بعض القرى خارج البلد والاجتماع بهم ليعظهم ويحذرهم سوء عاقبة ما اعتزموا عليه فأذن له وخرج إليهم وتكلم معهم بما أثر فيهم فأذعنوا لنصائحه ووعدوه بأنهم لا يحركون في دمشق ساكنا ولا يثيرون فتنة ، ولما كان أمر الله لا يرد قويت بواعث الفتنة ولم ينجع فيهم نهي الحكومة ولا أثرت فيهم شدة انتقامها. قال واستمرت الفتنة قائمة ونارها موقدة أربعة عشر يوما في دمشق ، وما أوقع أحمد باشا الشهيد وجماعة من رؤساء الجند إلا اغتراره بأقوال من كان يستبعد أن يقع في دمشق ما وقع في الجبل ، لدعوى وجود البواعث المقتضية لذلك بين اللبنانيين وعدمها في دمشق.
ومن القرائن القوية على أن لحكومة الإستانة يدا في إثارة هذه الفتنة ، أنها أرسلت بعض رجالها قبل وقوع المذابح بأشهر إلى الشام وبعد ذلك تبدل وجه كل شيء وتغيرت معاملة الحكومة للنصارى. ومن يحسن الظن بالحكومة التركية ينسب ما جرى إلى إهمال العمال ، وإلى ما كان لديهم من الوسائط القليلة والرجال وأن الحكومة أرادت أن تنتقم ممن كانوا يتطلعون إلى دولة أخرى تحكمهم كالدولة المصرية ، ولسان حالها في الحقيقة بشأن هذه الفتنة المثل المشهور «لم آمر بها ولا ساءتني» وماذا يهمها قتل نحو أحد عشر ألف نسمة وخراب قدّر ببضعة ملايين من الدنانير وغير ذلك من المقابح والمساوىء ، إذا كان في ذلك تأييد سلطانها على قطر ما زالت سلطتها عليه اسمية منذ فتحته.
وقد ذكر العارفون من العرب والفرنج أنه لو لا انتداب الدولة لمثل الداهية فؤاد باشا لعقوبة الرعاع وغيرهم ، لكانت أوربا اشتطت في معاملة الدولة